آخر خبر

بريكس.. القوة الاقتصادية القادمة | صحيفة مكة


أكثر الأحاديث التي تتردد اليوم وهجا في أروقة الفكر الاقتصادي تتعلق بسلوك البريكس ومنافسته للدولار الأمريكي، فهل تستطيع هذه المنظومة الحديثة تدشين عصر ما بعد الدولار؟ أم أن قبضة الدولار لا تزال تهيمن على النظام الاقتصادي العالمي.

منذ تصميم نظام بريتون وودز عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية والدولار هو العملة الاحتياطية السائدة في البنوك المركزية العالمية موازيا مع الذهب، فالولايات المتحدة وحدها التي خرجت من الحرب وهي تتمتع باقتصاد مزدهر على عكس حلفائها المنتصرين كالاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا، حيث كانوا يئنون من تبعات الحرب، فضلا عن انهيار اقتصاديات الدول المنهزمة كاليابان وألمانيا الغربية وإيطاليا، هذه النقطة تحديدا منحت واشنطن ميزة فريدة في تأسيس النظام الاقتصادي العالمي الحالي، والتي يبدو أن دولا عديدة بدأت تعلن ضجرها من هذا النظام الذي تجاوز السبعة عقود من الزمن، وأن الوقت قد حان لتغيير الواقع الحالي، وكان تدشين منظمة البريكس الاقتصادية أولى هذه الخطوات.

أطلق الاقتصادي الشهير جيم أونيل مسمى بريكس على التحالف الاقتصادي الذي يضم كلا من: الصين وروسيا والهند

والبرازيل وجنوب أفريقيا، هذه الفكرة توسعت تدريجيا مع عامل الزمن في خطواتها الاقتصادية لتطمح أخيرا في تدشين نظام عالمي جديد يقوم على فكرة تعدد العملات بدلا من نظام الدولار الحالي والذي يمنح واشنطن أحقية فرض العقوبات الاقتصادية على أي دولة تتمرد على الخطوط الحمراء التي تحددها واشنطن.

لا شك أن تحالف بريكس يشكل تحديا قويا أمام الولايات المتحدة، وللقارئ الكريم أن يعلم أن هذه المنظومة تحتل جغرافيا عالمية تقدر بـ 30% من مساحة اليابسة العالمية، بينما عدد سكان أعضائها يكاد يقترب من نصف سكان البشرية حول العالم، وقد بدأ البريكس خطواته الأولى بتأسيس بنك التنمية الجديد كمحاولة لإحلاله بديلا عن صندوق النقد الدولي، ثم اتبعت بعد ذلك سلسلة من الخطوات الاقتصادية للحد من هيمنة الدولار، ومن هذه الخطوات التي اتبعتها منظومة البريكس، شراء كميات كبيرة من الذهب كاحتياطي بديل عن الدولار، كما دشنت بورصة شانغهاي الصينية نظاما يسمح لليوان الصيني أن يكون بديلا عن الدولار في التبادلات التجارية الدولية، بالإضافة إلى الاتفاقيات الثنائية بين دول البريكس حول الدفع باليوان الصيني كما فعلت الصين مع روسيا والبرازيل، وبالتالي فقد آتت هذه الخطوات ثمارها الجزئي بتراجع حصة الدولار في بعض البنوك المركزية العالمية.

نعود إلى التاريخ قليلا، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تشكلت الحرب الباردة آنذاك بين واشنطن وموسكو عبر حلفي الناتو ووارسو، انتهت هذه الحرب بانتصار المعسكر الغربي عبر انهيار سور برلين، الآن تتجدد هذه الصورة ولكن بشكل آخر، فمعسكر وارسو كانت تقوده روسيا وحدها وبأيديولوجية عقيمة لا تتواكب مع متطورات العصر، أما اليوم فتتشكل صورة المواجهة تقريبا بجانب سياسي أفرزته الحرب الروسية الأوكرانية، وبجانب اقتصادي يضم دولا تحررت من اشتراكيتها السابقة كروسيا والصين وتحارب الناتو برأسماليته نفسها، وبديناميكية ترتكز على مقومات اقتصادية ضخمة، وهذا قد جعل الولايات المتحدة في وضع أصعب كون أن دولة حليفة لواشنطن كفرنسا وعضو أساسي في الناتو تصرح على لسان رئيسها ماكرون: بأن على أوروبا أن تقلل من اعتمادها على الدولار الأمريكي!

في المقابل، يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن حلف بريكس لن يستطيع هز عرش الدولار بهذه السهولة، فهو في واقعه مجرد تحركات داخل نظام الدولار الحالي، وبالتالي فنحن لسنا أمام نظام عالمي جديد، ولكن أمام حالة تنافسية اقتصادية محتدة وحرب مالية باردة إن صح القول بين الولايات المتحدة ومنظومة البريكس!

[email protected]



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى