اشتباكات السودان: سودانيون عالقون في الخرطوم يقولون إن “سفارات أجنبية لم تعد لهم جوازات السفر”
- سلمى خطاب
- بي بي سي نيوز – القاهرة
مع اندلاع الاشتباكات في العاصمة السودانية، فر الآلاف من مدينة الخرطوم إلى خارج البلاد هربا من الحرب.
لكن خيار الفرار لم يكن متاحا للجميع، إذ أغلقت سفارات أجنبية عدة أبوابها، وأجلت موظفيها ورعاياها دون إعادة جوازات سفر المواطنين السودانيين الذين تقدم بها أصحابها إلى السفارات للحصول على تأشيرات قبل بدء الاشتباكات.
وقال خمسة سودانيين تحدثت إليهم بي بي سي إن سفارات أجنبية لم تعد لهم جوازات سفرهم، وأغلقت أبوابها، وشّل هذا قدرتهم على الخروج من البلاد، في وقت استمر فيه القتال وباتوا يخشون على حياتهم وحياة عائلاتهم.
وكان رد عدد من وزارات الخارجية على مطالب السودانيين باستعادة جوازات سفرهم بأن عليهم إصدار جوازات جديدة من السلطات السودانية، بينما طالب عدد آخر من السفارات الأشخاص بالانتظار حتى تهدأ الأوضاع.
جوازات سفر داخل سفارات مغلقة
من بين من تحدثت إليهم بي بي سي ثلاثة موظفين بوزارة الري السودانية، كانوا قد قدموا جوازات سفرهم إلى سفارة هولندا للحصول على تأشيرة دخول البلاد للمشاركة في مؤتمر حول تقنيات الري والموارد المائية مقرر عقده في مايو/ أيار المقبل.
ويقول المهندس الجيولوجي بالوزارة محمد الطيب: “علقت أنا وعائلتي في الخرطوم بسبب غياب جواز سفري، لدي زوجة وابنتان صغيرتان، ووالدتي، جميعهم نساء، كيف يمكنهم السفر من دوني، ليس أمامنا حلول، ومن دون جواز سفر لن نتمكن من الخروج من السودان، الوضع يتجه من سيء إلى أسوأ”.
ويشعر الطيب بخوف دائم على أسرته، ويقول “أفكر في الخروج من الخرطوم لكن ذلك ليس سهلا بسبب نقص وسائل المواصلات، وغلاء التذاكر، وعدم وفرة السيولة المالية، حتى إذا كان لدي أموال في البنك، كل الحسابات البنكية معطلة، كان يجب على السفارة أن تترك جوازات سفرنا في مكان آمن نستطيع الوصول إليه”.
وردت الخارجية الهولندية عبر تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي بأن السفارة أجبرت على إغلاق أبوابها وإجلاء موظفيها، وهو ما يعني أنها لن تتمكن من تسليم جواز السفر الموجودة لديها، ونصحت من سألوا عن جوازات سفرهم بالتقديم لاستخراج جواز سفر جديد من السلطات المحلية.
وتصف الباحثة بوزارة الري السودانية سارة عبد الله، التي ما زال جواز السفر الخاص بها داخل السفارة الهولندية، موقف السفارات باتخاذ قرار الإغلاق وإجلاء موظفيها دون الاهتمام بمصير جوازات سفر السودانيين الموجودة لديهم بـ”المستهتر”.
وأضافت أن مطالبة الخارجية الهولندية لهم بإصدار جوازات جديدة تفتقد المسؤولية، و”كأنها مسؤوليتنا أنهم لم يردوا لنا جوازات سفرنا”.
“بقيت وحدي في الخرطوم”
لم يتمكن التاجر أحمد التوم من السفر بصحبة عائلته إلى القاهرة بسبب وجود جواز سفره داخل السفارة الفرنسية بالخرطوم وإغلاقها.
ويقول التوم في حديث مع بي بي سي، إنه حاول الاتصال بالسفارة الفرنسية مع بداية الاشتباكات، وعرض عليهم الحضور لتسلم جواز سفره: “مهما كلفني ذلك وبالرغم من ضرب النار”، لكنهم قالوا له “مستحيل أن نسلمك جواز السفر”.
ويضيف: “أرسلت لهم رسائل إلكترونية لكن من دون رد، بعد يومين فوجئنا بأخبار إغلاق السفارة وإجلاء الرعايا الفرنسيين، أجلوا رعاياهم وتركونا”.
ويعيش التوم الآن في الخرطوم وحده بعد ما سافرت كل عائلته إلى مصر، ولم يتمكن من الالتحاق بهم، ويقول “ليس أمامي حل سوى الانتظار، فليس هناك إمكانية لاستخراج جواز سفر جديد، إذ إن مقر الجوازات يقع في وسط الخرطوم في وسط الاشتباكات، حتى المطبعة التي تطبع الجوازات محاطة بالقوات”.
ويردف “هم فكروا في النجاة بأرواحهم وتركوا السودانيين خلفهم”.
انتظار حتى إشعار آخر
وواجهت الخبيرة في شؤون الهجرة، هبة الشيخ، موقفا مشابها لكن آثاره كانت أقسى، وتقول إن والدها توفي في يوم 26 إبريل/نيسان الماضي بعد تدهور حالته الصحية وعدم قدرة العائلة على توفير مكان له في المستشفى.
وكانت هبة تعتزم السفر مع والديها إلى مصر، ثم إلى الإمارات حيث يعيش إخوتها، لكن خطط العائلة تعطلت بسبب عدم وجود جواز سفرها.
وتقول هبة “لم يكن ممكنا أن يسافر والدي من غيري، هل يفعل أي أب ذلك؟ لو كان معي جواز سفري لتمكنا من الرحيل باكرا قبل أن يتدهور وضعه الصحي”.
وقدمت هبة جواز سفرها في مارس/آذار الماضي للحصول على تأشيرة دخول لبريطانيا، وبعد نحو شهر وصلها بريد إلكتروني يفيد بانتهاء إجراءات التأشيرة، وأن عليها الانتظار لتحديد موعد لتسلم جواز سفرها، لكن اندلعت الاشتباكات، وبات عليها الانتظار حتى إشعار آخر لتستعيد جواز سفرها.
وأرسلت الشركة الوسيطة لتوصيل جوازات السفر بريدا إلكترونيا لهبة تقول فيه إن السفارة البريطانية مغلقة حاليا بسبب تطورات الأوضاع، وإن جواز سفرها في مكان آمن تحت إجراءات أمنية مشددة، وأنه سيسلم في موعد آخر.
وأعلنت بعض السفارات، مثل السفارة الصينية في الخرطوم، عن أرقام ومواعيد يتمكن من خلالها المواطنون السودانيون من استعادة جوازات سفرهم.
واندلع قتال عنيف في العاصمة السودانية في 15 من إبريل/ نيسان الماضي بين قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، وقوات الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان.
وأسفرت المعارك عن مقتل نحو 500 شخص على الأقل، وفرار الآلاف من السودانيين، إما إلى ولايات مختلفة داخل السودان، وإما إلى البلدان المجاورة مثل مصر وإثيوبيا وتشاد.