سعر الذهب في مصر: ارتفاع جنوني يقابله موجة سخرية في مواقع التواصل
أثار الارتفاع الأخير في أسعار الذهب حالة من الجدل والسخرية في مصر، إذ ضجت مواقع التواصل بتساؤلات حول أسباب ذلك الارتفاع ومدى تأثيره على الأسر ذات الدخل المحدود.
وعلى مدار يومين، انخرطت مجموعة من المصريين في نقاشات اقتصادية عبر المنصات الرقمية تترقب وتبحث عن خبر يطمئنها بحدوث تراجع في سعر المعدن النفيس، خاصة بعد انتشار أنباء عن انخفاض كبير محتمل.
وبمجرد القيام ببحث بسيط على المنصات الرقمية باستخدام عبارة “سعر الذهب في مصر”، ستصادفك صور يقول أصحابها إنها تظهر “طوابير طويلة” أمام محلات الصاغة في مناطق مختلفة من البلاد.
ويتحدث مغردون عن تهافت بعض المصريين ممن لديهم فائض مالي إلى تحويل جزء من مدخراتهم إلى ذهب.
فما الأسباب؟ وكيف تبدو أسعار الذهب اليوم في مصر؟
إجازة الأسبوع وجنون الذهب
في نهاية الأسبوع الماضي، سجلت أسعار الذهب في مصر مستويات تاريخية غير مسبوقة.
ولأول مرة في تاريخ مصر، تجاوز سعر غرام الذهب حاجز 3 آلاف جنيه، أي نحو 100 دولار.
فقد بلغ غرام الذهب من عيار 24 سعر 3028 جنيه، في حين وصل سعر الغرام من عيار 18 إلى ما يقرب 2270 جنيها.
وبحسب مواقع مصرية، فقد سجل سعر غرام الذهب من عيار 21، الذي يعد الأكثر مبيعا في مصر، 2650 جنيها، بدلا من 2600 جنيها، في تعاملات الأحد.
ورغم انخفاض أسعار الذهب في تعاملات الاثنين المبكرة متأثرة بارتفاع الدولار، لا يزال البعض يشكو من سعره الجنوني ويدعو إلى التأني قبل الإقبال على شرائه.
ويأتي ذلك بالتزامن مع انتشار كثيف لتقرير لموقع investing الاقتصادي الذي أشار إلى أن الذهب في مصر يباع أعلى من سعر العالمي بـ 53%.
وأوضح تقرير الموقع البريطاني إلى أن الأسعار الحالية تشير إلى “تقويم الذهب بنحو 47 جنيها للدولار الواحد في حين يسجل الدولار في البنوك المصرية 30.9 جنيها للدولار”.
لماذا يقبل المصريون على شراء الذهب؟
يرجع إقبال المصريين واهتمامهم المتزايد بالمعدن الأصفر، إلى اهتمامهم المتواصل بالأزمة الاقتصادية العالمية وما ترتب عليها من قرارات عمقت الأزمة المالية التي تمر بها بلادهم.
ومع التراجع القياسي في قيمة الجنيه المصري، لجأ مصريون إلى شراء الذهب للحفاظ على قيمة مدخراتهم.
وزاد ذلك من الطلب على المعدن الأصفر رغم نقص المعروض واختلاف السعر من محل إلى آخر، بحسب ما ذكره مصريون عبر مواقع التواصل.
ويصف البعض ما حدث في أسواق الذهب ومحلات الصاغة في الفترة الأخيرة، بـ “الفوضى”.
ومن المعلقين من يربط توجه المصريين لشراء الذهب بعدم ثقتهم في المستقبل.
وفي تدوينة على فيسبوك، عددت الخبيرة الاقتصادية المصرية علياء المهدي أسباب ذلك الارتفاع الجنوني في سعر الذهب في مصر رغم تراجعه عالميا.
فكتبت “ما حصل هو انعكاس لعدة أشياء أهمها سوء الإدارة الاقتصادية للبلاد، عدم الثقة في المستقبل الاقتصادي القريب جدا ، التخبط، و ارتفاع درجة المضاربة على الأصول القابلة للتسييل بسهولة مثل العملات الحرة و الذهب”.
في حين يحصر آخرون أسباب ذلك الارتفاع في نقطتين أهمهما ” الاحتكار” و “مخاوف تجار الذهب من حدوث تخفيض جديد في سعر الجنيه”.
وفي هذا السياق يقول المغرد إسلام منصور:” محلات الصاغة سعرت الدولار بـ44.43 جنيه مع إن سعره الرسمي في البنوك بـ30.85 جنيه، وهذا بسبب المضاربات بعد إشاعات قوية بقرب تعويم جديد لقيمة الجنيه، والسؤال هو أين البنك المركزي من فوضى أسعار الدولار في مصر؟”
ما أهم العوامل التي تتحكم في أسعار الذهب؟
عموما يستخدم الذهب كأداة للتحوط من التضخم والاضطرابات الاقتصادية والمالية. وتتأثر أسعاره بمجموعة من العوامل، أبرزها:
يؤثر هذا العامل على أسعار الذهب، مثله مثل أي سلعة أخرى. فزيادة الطلب وانخفاض المعروض يؤديان إلى زيادة السعر، والعكس صحيح، زيادة المعروض وانخفاض الطلب يؤديان إلى انخفاض الأسعار.
وتعد صعوبة عملية تعدين الذهب مع مرور الوقت، أحد أسباب الارتفاع المستمر لأسعاره على المدى الطويل.
- التضخم وأسعار الفائدة وقيمة العملة
الأوضاع في البورصات العالمية والقرارات التي تتخذها البنوك المركزية بشأن أسعار الفائدة والتضخم ستؤثر حتما على هذا المعدن النفيس. فانخفاض أسعار الفائدة وارتفاع معدلات التضخم تؤدي إلى زيادة أسعار الذهب.
والأمر ذاته ينطبق على أسعار الصرف، فإذا كانت العملة المحلية ضعيفة، سيؤدي ذلك في زيادة أسعار الذهب.
- المتغيرات الجيوسياسية
الاضطرابات السياسية والصراعات والتهديدات الإرهابية كلها عوامل قد تتسبب في رفع أسعار الذهب. ومن الصعب قياس الكيفية التي تؤثر بها مثل تلك الأمور على أسعار الذهب مقارنة بالعوامل السابقة، كما أنها تتفاوت من حالة إلى أخرى.
وفي الحالة المصرية، ثمة من يربط الارتفاع الأخير في أسعار الذهب بالأحداث الدائرة في السودان.
فالإضافة للعوامل الرئيسية والمتعلقة بارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، يقول خبراء إن الأزمة في السودان قد تؤثر بشكل غير مباشر على المعروض في السوق المحلي.
لكن ذلك التحليل يبدو مبالغا بالنسبة لآخرين ممن أشاروا إلى أن مبيعات الذهب تشهد ارتفاعا في فترة عيد الفطر والمواسم، بسبب الاقبال على شراء الشبكة وانتشار حفلات الزفاف.
تندر واقتراحات لاستبدال “الشبكة”
وعبّر المقبلون على الزواج عن دهشتهم من ارتفاع سعر الذهب.
كما تحدث آخرون عن قلة حيلتهم أمام ما سموها بـ “عمليات التلاعب والمضاربات في أسعار الذهب”.
وكعادتهم لجأ مصريون إلى النكات والرسوم الكاريكاتورية لمحاكاة ما حدث في سوق الذهب.
وتخيل بعضهم شكل الشبكة في المستقبل، فانتشرت صورة لأساور من قشور البرتقال أو معادن رخيصة.
ومن المعلقين من اقترح التنازل عن الذهب كشرط ضروري لإتمام الخطوبة وتعويضه بالفضة.
كما تساءل مغردون عن توقيت استقرار الذهب وعقدوا مقارنات بين سعره حاليا وبما كان عليه قبل سنة.
وأنحى آخرون باللائمة على الحكومة مطالبين بإجراء إصلاحات اقتصادية عاجلة.
تحذيرات وحديث عن فقاعة اقتصادية
في المقابل، قلل مغردون من أهمية ما يحدث واتهموا جهات سياسية بتهويل الأمر.
ووصل الأمر بالبعض حد التشكيك في حركة الشراء واصفين إياها بـ “غير العفوية”.
وحذر آخرون من تحول الذهب إلى عملة، واعتبروا أن التداول في الذهب بدلا من العملة يشكل خطرا على الاقتصاد.
في حين شبه البعض الآخر حركة السوق بـ ” الفقاعة سعرية كلاسيكية”.
وهو مصطلح يستخدم لوصف التغير في سلوك المستثمرين وتزايد الطلب على سلعة معينة ليزداد معها السعر بشكل طردي بشكل لا يتناسب مع قيمتها الحقيقية.
مبادرات وتطمينات حكومية
وأمام تباين التحليلات والقراءات، ناشد البعض الحكومة بالتدخل وتقديم حلول.
وجاء الرد عن طريق وزير التموين علي المصيلحي، الذي اقترح إعفاء المصريين القادمين من الخارج من الجمارك المفروضة على الذهب.
ويتوقع كثيرون أن يسهم ذلك المقترح في خفض نسبة الطلب على المعدن الأصفر في الداخل مما يخفض سعره.
واعترف الوزير بأن “كمية الذهب محدودة جدا وأن هناك فجوة في الأسعار” إلا أنه ربطها بـ ” سعر العرض والسعر العالمي والدولار”.
كما طالبت عضو مجلس البرلمان إيلاريا سمير بتشديد الرقابة على أسواق الذهب ومحلات الصاغة، وتوعية المواطنين بكل مستجدات سوق الذهب وأسعاره عالمياً.