اللاجئون السوريون في لبنان: معاناة في مواجهة الترحيل القسري
- سوزانا قسوس
- بي بي سي نيوز عربي
كانت الساعة الرابعة فجراً عندما داهم الجيش اللبناني والشرطة العسكرية بيت سامية الواقع في مدينة جونية، سامية هي أرملة سورية لاجئة في لبنان تعيش هناك مع أولادها الأربعة بعد اندلاع الحرب في بلادها.
تمت المداهمة وهي برفقة اثنين من أبنائها في العاشر من أبريل/ نيسان هذا العام، تقول: “دخلوا البيت بعد قرع الباب بشكل ترهيبي، وسرعان ما امتلأت الغرفة بفرقة من الجيش ورجل مقنّع يرتدي اللون الأسود بالكامل ويحمل ضوء الليزر.
أمر الرجل ابني عدي بأن يقف ووجهه إلى الحائط وثبّت البارودة على ظهره، فقلت لابني أن يتجاوب مع الرجل المقنّع ويلتف إلى الحائط لتجنب المشاكل، ثم سألونا عن أوراقنا، عندما قلت له إننا دخلنا لبنان عام 2014 ومعنا أوراق ثبوتية من الأمم المتحدة تثبت إقامتنا، سألني عن ورقة تجديد الإقامة. لم أكن أعلم أنه يجب أن نجدد إقاماتنا في لبنان، وحين قلت له ذلك، قال “خذوه” وكبّلوا ابني عدي البالغ من العمر 21 عاماً وقادوه إلى السيارة”.
عدي لديه وضع صحي خاص، فهو مريض شحنات كهربائية ولديه تلف في العصب الأيسر ونقص إدراك، بحسب والدته.
تقول سامية: “فُقدت أخبار عدي هنا في لبنان، وصلتني أنباء بأن السيارة ألقته والشبان على الحدود اللبنانية-السورية. ليس لدي أي معلومة مؤكدة عن موقعه رغم كل المحاولات. يوم يُقال لي إنه في سوريا في قسم الشرطة (الفرع) ويوم يُقال لي إنه لا يزال في لبنان. إن أراد الجانب اللبناني التحدث عن الإساءة وأن السوريين أساؤوا، فما ذنب هذا الشاب المريض؟ الآن، أنام لوحدي في المنزل خوفاً على أولادي. لا يوجد أي أحد يصرف علينا لدفع إيجار البيت، لا نريد أكل ولا شراب ولا شيء فقط نريد أن نحيا عيشة كريمة. لا مشكلة لدينا في أن نعيش في الشارع”.
أخذ الأمن اللبناني من المبنى الذي تقطنه عائلات سورية ولبنانية 27 شاباً سورياً للترحيل مع ابن سامية البكر، باتجاه الحدود السورية-اللبنانية.
“نحنا بلبنان عايشين على كف عفريت، كل واحد فينا مهدد وكل واحد فينا خايف”، هكذا قال لنا أحد السوريين في لبنان والذي يعيش هناك منذ بدء اندلاع الأحداث في 2011. يقف السوريون في لبنان متوجّسون خوفاً من الترحيل القسري إلى المجهول، من البلد الجار الذي لجأوا إليه مع بدء الصراع في بلادهم.
رحّلت السلطات اللبنانية الأسبوع الماضي حوالي خمسين لاجئاً سورياً في غضون أسبوعين وأعادتهم إلى بلادهم بعد حرب استمرت 12 عاماً، وسط ظهور ما يسمى بـ”المشاعر المعادية لوجود السوريين” والتي تفاقمت بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد.
ومع حلول ذكرى 26 أبريل/ نيسان 2005 وهي ذكرى انسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية، تتفاقم الأزمة وتظهر بعض الحملات في لبنان دعماً لترحيل اللاجئين السوريين، إذ يقول بعض اللبنانيين إن الوضع الأمني في سوريا يسمح بذلك.
“مشاعر معادية لوجود السوريين”
نستخدم اسم “إياد سعد” اسماً مستعاراً لأحد السوريين في لبنان وهو ناشط حقوقي واجتماعي، يقول إياد لـبي بي سي إنه لا تزال عمليات الترحيل القسري مستمرة، وتجري مداهمة المخيمات في أكثر من منطقة، فخلال الأسبوع الماضي، داهم الجيش اللبناني المنازل التي تسكنها عائلات سورية في مواقع مختلفة في جميع أنحاء البلاد، ورحَّل إلى سوريا عشرات اللاجئين سواء للذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني أو من يحملون بطاقات إقامة منتهية الصلاحية.
وقد أظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تسليم عدد من الشبان على الحدود اللبنانية-السورية، يقول إياد إن البعض منهم “رُمي على الحدود” والبعض الآخر تم تسليمه للطرف السوري، وداهم الجيش اللبناني والمخابرات اللبنانية مخيما في الجنوب وفي بيروت وتم ترحيل عدد من العائلات.
“خلال الفترة الماضية، كانت تظهر المشاعر المعادية للسوريين، لكن بشكل عام، كان هناك نوع من التعايش في كل المناطق ما بين اللاجئين السوريين والمجتمع اللبناني المضيّف، ولكن بسبب حملات التحريض العنصرية من بعض السياسيين وبعض الجهات ضد السوريين، تأججت مشاعر الكراهية وفاقمت المشاعر المعادية للسوريين. لكن علينا أن نقول أن الوعي موجود لدى بعض الفئات، رغم هذه الحملات على الصعيد الشعبي بشكل كبير، في الجانبين اللبناني والسوري”.
ويضيف: “الوضع الآن غير آمن للعديد من الأشخاص خاصة للمطلوبين لبعض الجهات في سوريا، ربما يكون آمناً لأشخاص يسافرون من وإلى سوريا بشكل مستمر وهي فئة غير معرّضة لأي خطر من أي جهة سورية، بسبب زياراتها المستمرة إلى سوريا. إذا كانت الحكومة اللبنانية جادة بأنها لا تريد المزيد من اللاجئين في الأراضي اللبنانية، فيمكنها عدم إدخالهم عند عودتهم من إحدى الزيارات من سوريا، طالما يذهبون بشكل مستمر، بإمكان الأمن اللبناني عدم استقبال هؤلاء الأشخاص الذين يسافرون ذهاباً وإياباً إلى سوريا وضبط الحدود. لكن بالنسبة لباقي العائلات السورية، فإن العودة غير آمنة”.
يوضح إياد أن العودة غير آمنة لبعض العائلات لعدة أسباب، منها احتمالية أن يكونوا مطلوبين لدى أي من الجهات في الداخل السوري أو عدم وجود منازل أو أي مأوى لهم في سوريا. مضيفاً: “أغلب السوريين في لبنان يعيشون حالة من الذعر والخوف والهلع والتوتر، الأغلبية منهم ملتزمون بيوتهم ومناطقهم وهناك قسم كبير منهم لا يخرج حتى للعمل بسبب التخوف من الوضع القائم”.
استهداف الفئات الضعيفة
الصحفي اللبناني محمد قليط يرى أن هناك حملات إعلامية متجددة تموّلها أحزاب يمينية لتحميلهم عواقب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية بحسب قوله، لاستهداف “الفئات الضعيفة” من المجتمع نظراً لـ”فشل الدولة اللبنانية بتنظيم أوضاع السوريين في البلاد”.
“الموضوع متجدد ويعود للوجود العسكري والسياسي السوري السابق في لبنان وطريقة تعاطي الدولة السورية مع اللبنانيين على الصعيد السياسي والأمني والشعبي، فتولّدت هذه الكراهية أو الضغينة تجاه الدولة السورية وتتأججت مع اشتداد الأزمة على اللبنانيين. وشهدنا هذا الأمر بعد 2011 في معظم مناطق الضاحية والجنوب في التفجيرات، أصبح الأمن يشدد على السوريين والسيارات التي تحمل ألواحاً سورية والآن مع الأزمة الاقتصادية وأزمة المصارف، أصبح الناس يجدون صعوبة بالاستمرار في العيش في لبنان بشكل طبيعي، ويريدون لوم أحد، ولا يستطيعون لوم الدولة أو الأحزاب لأن الموضوع معقد جداً وهناك التبعية الطائفية أو الحزبية أو العشائرية، وحل المسألة جدا صعب، فيقع اللوم على الفئة الأضعف في المجتمع وهي فئة اللاجئين السوريين”.
ويحذر قليط من أن الحملات الإعلامية التي “تأجج خطاب الكراهية تفاقم الأزمة والخوف والتوتر” بين اللبنانيين واللاجئين السوريين يمكن أن تؤدي إلى أعمال عنف واشتباك وتعدي على مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان، مشدداً على أهمية التزام لبنان باحترام القوانين والاتفاقيات الدولية ومعاهدات حقوق الانسان التي وقّع عليها وهو جزء منها.
“أمر عادي ودوري“
يقول وزير المهجّرين اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين لـبي بي سي إن اعتقال الجيش اللبناني 50 شخصاً مخالفاً للقانون من السوريين وترحيلهم إلى سوريا هو “أمر عادي جداً ودوري”، ويضيف أن من “يخالف القانون ويزوّر الأوراق الرسمية يجب أن يتحمل مسؤولية أفعاله”، ويصف ردود فعل المنظمات الحقوقية المنتقدة لإجراءات الجيش اللبناني بـ”المبالغ بها بشكل كبير ويتم استغلالها لأغراض سياسية”.
يضيف شرف الدين: “نحن مع موقف الجيش ونتمنى أن الخمسين سوري الذين رحّلوا، إذا كانوا فعلاً مخالفين، أن يكونوا عبرة لغيرهم من المخالفين للقانون. لم نكن أبداً عنصريين في التعاطي مع اللاجئين السوريين. قليلة جداً الخلافات التي حدثت على أساس عرقي أو طائفي. لبنان يأوي مليونين وخمسين ألف نازح سوري. بالطبع، لا يخلو الأمر من بعض الخلافات الفردية، لكنها لم تأخذ طابعاً سياسياً أو وطنياً. هذه المشاعر المعادية للسوريين هي للأسف خطة ممنهجة بالإعلام ينقلها معارضون بهدف الإيقاع بين اللبناني والسوري. الوضع في سوريا وخصوصاً المناطق تحت سيطرة النظام، هناك أمن مستتب وهناك عفو رئاسي عن المعارضين. ومن يريد أن يمارس حقه بالمعارضة والعمل السياسي، يمكن أن يتم ترحيله إلى دولة ثالثة بموجب القوانين الدولية والتفاهم مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين”.
بحسب الوزير، فإن عملية الترحيل الشرعية تتم عبر تسجيل أسماء اللاجئين السوريين وتقديم لوائح للأمن العام اللبناني وتأمين قوافل لنقلهم، والأمن من جهته يتواصل مع الأمن القومي في سوريا لضمان إعادة جميع السوريين. وتمت هذه العملية مرتين العام الماضي في عرسال شمال شرق لبنان والتي تشترك مع سوريا بخطّ حدودي طوله 50 كيلومتراً، وقال شرف الدين إنها “من المتوقع أن تحدث مجدداً هذا العام، مع تفعيل لجنة عودة النازحين”.
وقد أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ارتفاع مستوى الفقر المدقع إلى 89 في المئة بين أسر اللاجئين السوريين في لبنان.
وكانت منظمة العفو الدولية قد طالبت السلطات اللبنانية أن “تكف فوراً” عن ترحيل اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا، وسط مخاوف من أنهم مُعرضون لخطر التعذيب أو الاضطهاد عند عودتهم.
“حفاظاً على مصلحة الدولة والنظام العام”
عقب ترحيل عشرات السوريين من لبنان الأسبوع الماضي، خرجت تظاهرة في مدينة طرابلس الشمالية وهي ثاني أكبر مدينة في لبنان، تطالب بوقف ترحيل السوريين وتطالب المجتمع الدولي بالتدخل وبحماية السوريين.
من جهته، يقول وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي إن ما تقوم به القوى الأمنية في ملف اللاجئين السوريين “ليس تعرضاً لحقوق الإنسان، إنما هو حفاظ على مصلحة الدولة والنظام العام”، وتطبّق السلطات اللبنانية عمليات الترحيل وفق قرار مجلس الدفاع اللبناني الأعلى الصادر في 15 أبريل/ نيسان من عام 2019 والذي يقضي بترحيل السوريين الذين دخلوا البلاد بشكل غير نظامي.