غسيل أموال وجرائم أخرى.. العملات المشفرة في قفص الاتهام
ولكن على الرغم من تراجع السوق، فقد كان أيضاً عاماً قياسياً بالنسبة لـ “الجرائم القائمة على التشفير”، على حد وصف تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية أخيراً، استند إلى بيانات حديثة صادرة عن شركة تحليل البيانات Chainalysis على النحو التالي:
- تجاوزت معاملات التشفير غير المشروعة 20 مليار دولار في العام الماضي.
- شكَّلَ ذلك ارتفاعاً من 18 مليار دولار في العام 2021، بعد زيادة ضخمة في المعاملات التي تشمل الشركات المستهدفة بالعقوبات الأميركية (تأتي الغالبية من بورصة Garantex الروسية).
- انخفضت هجمات برامج الفدية بشكل طفيف مقارنة بالعام، لكنها لا تزال تمثل ما يقرب من نصف مليار دولار.
- من المرجح جداً أن يزداد الرقم (إجمالي قيمة معاملات التشفير غير المشروعة) بمرور الوقت.
- لا يشمل الرقم 23.8 مليار دولار من الأموال التي تم غسلها باستخدام العملات المشفرة في عام 2022 -بزيادة 68 بالمئة عن العام 2021.
في المملكة المتحدة وحدها، تقدر الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة أن أكثر من مليار دولار من الأموال غير المشروعة يتم تحويلها إلى الخارج باستخدام العملات المشفرة كل عام.
علاقة العملات المشفرة بالأنشطة الإجرامية
مؤسس ومدير مختبر أبحاث “Blockchain” في جامعة ولاية أريزونا، دراجان بوسكوفيتش، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه:
- وفقاً لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) تبلغ القيمة التقديرية للتجارة غير المشروعة حوالي 2.2 تريليون دولار أميركي على مستوى العالم.
- من المهم ملاحظة أن هذا التقدير لا يشمل المخدرات فحسب، بل يشمل أيضاً أشكالاً أخرى من التجارة غير المشروعة، مثل الاتجار بالبشر والسلع المزيفة والجرائم البيئية.
- يتم إجراء أقل من 1 بالمئة من التجارة العالمية غير المشروعة باستخدام العملة المشفرة، بحسب إحصاءات صادرة عن Chainalysis ومع ذلك، فقد يكون هناك سبب للاعتقاد بأن النسبة الفعلية أقل من ذلك.
ويشدد على أنه مثل أية تقنية أخرى، يمكن استخدام العملات المشفرة من قبل المنظمات الإجرامية؛ على أساس أن سهولة التحويل عبر الحدود وبشكل شبه فوري لأصول العملات المشفرة تجعل منها خياراً جذاباً لتلك الأنشطة غير المشروعة.
لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أنه مع ذلك فإن “جميع المعاملات يتم تسجيلها رقمياً، وأن استخدام العملة المشفرة لا يحمي بالضرورة الأنشطة الإجرامية”، مشدداً على أن “استخدام العملة المشفرة قد يوفر لوكالات إنفاذ القانون رؤية أكثر دقة للأنشطة الإجرامية” في تقديره.
ويفسر هذا الأمر بقوله:
- تعتمد أدوات الطب الشرعي لتحليل blockchain و cryptocurrency على حقيقة أن تدفق الأصول الرقمية / الأموال على blockchain يمكن أن يكون من السهل نسبياً تتبعه وتفسيره.
- تُظهر سجلات المحاكم أن المحققين قادرون على تتبع سجلات معاملات العملة المشفرة إلى محفظة رقمية معينة، والتي تربط الهوية الرقمية بشخص مادي يمتلك المحفظة.
- من خلال إنشاء هذا الربط بين الهويتين، يمكن للمسؤولين الوصول إلى المحفظة باستخدام مفتاح خاص أو كلمة مرور.
- تستخدم الأساليب المستخدمة لربط الهوية الرقمية والأشخاص الطبيعيين تحليلات البيانات المتقدمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويلفت مؤسس ومدير مختبر أبحاث “Blockchain” في جامعة ولاية أريزونا، في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن هذه الأساليب مكنت مكتب التحقيقات الفيدرالي على سبيل المثال من اعتراض دفع الفدية الأخيرة للمهاجمين السيبرانيين على خط أنابيب كولونيال في الولايات المتحدة الأميركية.
عمليات غسيل الأموال
وفي سياق متصل، نقل تقرير صحيفة فاينانشال تايمز المشار إليه، عن مدير المركز الوطني للجرائم الاقتصادية، أدريان سيرل، قوله:
- العملات المشفرة تُستخدم كجزء من منهجية غسيل الأموال الآن – وهي مدمجة فيها.
- في حين أن نسبة غسيل الأموال التي يتم إجراؤها في العملات المشفرة لا تزال منخفضة نسبياً، فمن المتوقع أن تزداد بسرعة، وتسهل الشبكات الإجرامية الدولية على نطاق غير مسبوق.
على الجانب الآخر، يُجادل داعمو العملات المشفرة بأنه يمكن استخدام تلك العملات من أجل الخير أيضاً.
فيما نقلت الصحيفة عن شركة تحليل البيانات Blockchain Elliptic أنه تم التبرع بمبلغ 200 مليون دولار من العملات المشفرة لأسباب مؤيدة لأوكرانيا منذ اندلاع الحرب، وتم إرسال أكثر من 80 مليون دولار منها مباشرة إلى الحكومة الأوكرانية.
ويضيف تقرير الصحيفة: لكن يجب وضع ذلك في السياق: الإيجابيات ستفوقها دائماً السلبيات. من بين العملات المشفرة المقدرة بـ 3.8 مليار دولار التي سرقها المتسللون العام الماضي – وهو رقم قياسي جديد آخر – سرق قراصنة مرتبطون بكوريا الشمالية حوالي 1.7 مليار دولار ، وفقًا لـ Chainalysis. وتزعم الأمم المتحدة أن هذه الأموال توجه إلى برنامج الصواريخ الباليستية في البلاد.
وأفاد التقرير بأنه “لا تستخدم العملات المشفرة فقط للمضاربة على المخدرات وشرائها عبر الإنترنت، فهي تستخدم في أنشطة إجرامية أكثر غموضًا أيضاً”.
تحويل الأموال عبر الحدود.. بلا رقابة
من جانبه، يشير الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن “سهولة استخدام العملات الرقمية خلفت فرصة للمجرمين لإرسال الأموال الرقمية عبر الحدود دون أي إشراف إلى البلدان التي لديها تبادلات رقمية حتى يتمكنوا من تحويل بيتكوين على سبيل المثال إلى عملة ورقية مثل الدولار أو اليورو”.
ويلفت إلى أن هذا هو سبب ارتفاع هجمات Ransomware أخيراً؛ على أساس أن المتسللين طلبوا تحويل العملات المشفرة إلى محفظتهم الرقمية حيث يمكنهم تحويلها إلى دولارات خارج دول مثل الولايات المتحدة الأميركية.
ويوضح بانافع أن إحدى الميزات الرئيسية لاستخدام العملة المشفرة، حقيقة أنه لا يمكن عكس المعاملات، بمجرد إرسالها تختفي، والطريقة الوحيدة لاستعادة تلك الأموال هي إذا كان الطرف الآخر سيرسلها مرة أخرى.
ويضيف في الوقت نفسه: “تتمثل إحدى طرق التحكم في معاملات الأموال الرقمية مثل بيتكوين في بورصات مثل Coinbase حيث تحتاج إلى التسجيل للانضمام وتحتاج إلى معلومات صادرة عن الحكومة لاستخدام التبادل بالإضافة إلى استخدام محفظتها الرقمية الخاصة، وبالتالي فبإمكان المتعاملين إرسال واستلام الأموال الرقمية ولكن داخل بيئة خاضعة للرقابة ويمكنهم تجميد الحسابات إذا كان هناك شيء مريب”.
نظام بديل
لكنه يؤكد أن بعض البلدان ليس لديهم هذا النوع من السيطرة وهذا هو السبب في انتشار غسيل الأموال في هذه البلدان وإنشاء المجرمين محافظ فيها ونقل الأموال بحرية، مستطرداً: “أنظر إلى العملات الرقمية كنظام مالي مواز لنظام SWIFT المصرفي، تستفيد تلك البلدان من الأنشطة كمصدر للدخل خاصة إذا كانت تخضع لنوع من العقوبات ولا يمكنها الحصول على عملات ورقية، عن طريق التداول باستخدام العملات الرقمية للتجارة أو جلب العملات الورقية دون سيطرة SWFIT”.
ويختتم حديثه بقوله: “العملات الرقمية تمثل المستقبل، لكننا بحاجة إلى لوائح تحمي ودائع المستخدمين وتراقب البورصات؛ للتأكد من عدم وجود سوء إدارة أو إساءة للثقة”، مشيراً إلى الحالة الشهيرة لبورصة FTX و ما حدث لمليارات الدولارات من ودائع المستخدمين، فقد ذهبت في دقائق.