نقاش السلامة المهنية في أماكن العمل يستبق احتفالات “عيد الشغل” بالمغرب
بالتزامن مع قرب احتفاء العمال بعيدهم الأممي (فاتح ماي)، يُخلد يوم لا يقل أهمية يصادف سنويا تاريخ 28 أبريل “اليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية”؛ إلا أن هذه المناسبة لم تخْلُ من انتقادات نقابية طالت واقع “السلامة والصحة المهنية” بالمغرب، مؤكدة أنها مسألة مهمة “تظل خارج أولويات الحوار الاجتماعي” الذي جرت مأسسته في “اتفاق 30 أبريل”.
“مؤشرات حوادث الشغل والأمراض المهنية بالمغرب مخيفة”، هكذا عبرت نقابة “المنظمة الديمقراطية للشغل ODT”، في بيان صادر عنها بالمناسبة، مستحضرة الشعار الذي اختارت “منظمة العمل الدولية” الاحتفاء به عبره كشعار لهذه السنة 2023، “شارك في بناء ثقافة الوقاية في مجال السلامة والصحة المهنية”.
علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، وضع هذه المناسبة في سياق “التأكيد على المسؤولية المشتركة والجماعة لكل الفرقاء والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، في تأمين الصحة والسلامة المهنية داخل أماكن العمل، فضلا عن مسؤولية المشغل في الحفاظ على صحة وسلامة الأجراء داخل المقاولة والمصانع ومنشآت العمل”، لافتا إلى “الحماية من الحوادث المحتملة التي قد تسبب إصابات وأضرار للعمال والعاملات أو وفاة أو عاهة مستدامة أو تلَف أو تدمير ممتلكات وتجهيزات المنشأة؛ وهو ما يؤدي إلى ضياع نسبة مهمة من الدخل الوطني الإجمالي”.
وأورد المسؤول النقابي، في إفادة لـ هسبريس، أن “تقارير منظمة العمل الدولية عن أرقام ومؤشرات تنذر بالخطر، حول عدد الوفيات بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية، التي تتجاوز 2.3 ملايين حالة وفاة سنويا، منها 35 ألف وفاة ناجمة عن حوادث الشغل، بجانب ملايين المصابين بأعطاب وعاهات مستديمة وأمراض مهنية مزمنة في العالم”.
“معطيات غائبة”؟
انتقدت الـ”ODT” “غياب معطيات وأرقام دقيقة حول مؤشرات ومعدلات حوادث الشغل والأمراض المهنية بالمغرب، بينما كشفت منظمة العمل الدولية أن المغرب يسجل ما يقارب ألفيْ حالة وفاة سنويا، أي ما يعادل 47.8 في المائة من حوادث الشغل المميتة لكل 100 ألف عامل”، مسجلة “غياب أرقام رسمية حول الأمراض المهنية”.
وحسب المصدر ذاته، فإن “تقديرات المنظمة الدولية نفسها صنفت المغرب ضمن أكبر المعدلات المرتفعة لحوادث الشغل في دول المغرب الكبير والشرق الأوسط؛ وهو ما تم تأكيده من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي في تشخيص شامل له حول إشكالية الصحة والسلامة المهنية بالمغرب كشف فيه عن اختلالات كبرى وأرقام مثيرة حول الأسباب الكامنة للحوادث والمخاطر المهنية. (ضعف أو تقادم التشريع والقوانين المؤطرة للحق في السلامة والصحة المهنية داخل أماكن العمل؛ الفجوة في التأمين ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية في القطاعين العام والخاص).
وأكدت النقابة ذاتها أن “عدم احترام البنود المنصوص عليها في مدونة الشغل والمتعلقة بالصحة والسلامة المهنية في عدد من الشركات والمقاولات والمصانع وغياب لجان الصحة والسلامة المهنية ومصالح طب الشغل في عدد كبير من المقاولات والشركات والمنشآت الصناعية والمعادن وغياب التأمين عن الحوادث والانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قد يحرم المصابين من العمال والعاملات من حق التعويض”.
“قلة” مفتشي الشغل
“قلة أطر تفتيش الشغل (ما يقارب 400 مفتش شغل) رقم قد لا يكفي لتغطية حاجيات ومتطلبات جهة الدار البيضاء لوحدها، وما يقارب 1400 طبيب شغل أغلبهم يشتغلون بالقطاع العام” مؤشر آخر ساهم في هذه الوضعية “المقلقة”، حسب علي لطفي الذي أكد أنه “من الصعب جدا الحديث عن التغطية الشاملة للحاجيات ولمتطلبات الوقاية والمراقبة والتقييم. كما يفتقر المغرب إلى نظام تعويض عادل ومنصف للأجراء والعمال للتأمين حقيقي ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية وسط جمود مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية”.
ومقابل إشادة بالمجهودات الحكومية لتحسين الترسانة القانونية التي تترجمها مدونة الشغل والقوانين المواكبة وتصديق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية (الاتفاقية رقم 155 والاتفاقية 161 المتعلقة بالمصالح الصحية في العمل والاتفاقية 187 المتعلقة بإطار الترويج للسلامة والصحة في العمل)، وما قامت به عدد من الشركات والمقاولات في مختلف المجالات لتحسين ظروف بيئة العمل الآمنة والمستقرة لجميع العمال، رصدت المنظمة الديمقراطية للشغل “ارتفاع المؤشرات الخاصة بالسلامة والصحة المهنية في مواقع العمل خلال السنوات الأخيرة مع زيادة معدلات حوادث الشغل والأمراض المهنية مرتين ونصف مقارنة مع دول MENA”.
وجاءت الدعوة صريحة لـ”خلق مرصد وطني لإدارة فعالة للسلامة المهنية والوقاية من الحوادث والأمراض المهنية وتنفيذ معايير الجودة وتنظيم دورات تكوينية في مجالات تطبيق قوانين ومتطلبات الصحة والسلامة وفق مدونة الشغل”.
“تحديث أساليب إدارة أنظمة السلامة والصحة المهنية بنهج مقاربات جديدة واستراتيجيات متقدمة في إدارة السلامة والمخاطر باستعمال تكنولوجيا السلامة وتحليل وإدارة المخاطر، والإدارة الآمنة للنفايات الخطرة والمخلفات المشعة وعمليات الحوادث الكيميائية والبيولوجية والنووي والنهوض بثقافة الوقاية”، مطلب آخر خلص إليه المصدر ذاته.