اشتباكات السودان: تباين مواقف السودانيين تجاه القتال الدائر بين الجيش والدعم السريع
- عمر الطيب
- بي بي سي نيوز عربي
انقسم السودانيون في نظرتهم للقتال الدائر في البلاد الذي اندلع صباح السبت الخامس عشر من أبريل/ نيسان بين شقي المكون العسكري، الجيش والدعم السريع إلى ثلاث فئات: فئة تؤيد الجيش وفئة تعاطفت مع الدعم السريع وفئة ثالثة نأت بنفسها عن الطرفين وطالبتهما بالوقف الفوري لهذا الاقتتال.
الجيش :
لم يتردد كثيرون في إعلان تأييدهم غير المشروط للجيش السوداني منذ اندلاع المواجهات، باعتباره جيش البلاد وأحد رموز سيادتها محاججين بأن أي تقويض له سيؤدي إلى تمزيق البلاد وإنفراط عقدها . يضيفون إلى ذلك أن الدعم السريع قوة تابعة للجيش وتعمل تحت إمرته وهو الذي شكلها وهي الآن تتمرد عليه وتعصي أوامره ويجب إعادتها إلى كنفه.
وكان من اللافت للنظر أن مؤيدي حكم الرئيس المعزول من الإسلاميين لم يترددوا منذ الوهلة الأولى في الإفصاح عن ولائهم للجيش واستعدادهم للزود عنه والقتال في صفوفه. بل إن بعض معارضيهم اتهموهم بأنهم هم الذين أطلقوا الرصاصة الأولى مستشهدين بمقاطع فيديو لإجتماعات عقدتها الجماعة قبيل وقوع المواجهات بفترة وجيزة، ومقاطع أخرى يظهر فيها من قالوا إنهم من الحركة الإسلامية، يوزعون فيها الأسلحة ويعلنون فيها جاهزيتهم للقتال في صفوف الجيش للقضاء على الدعم السريع الذي وصفوه بالفئة الباغية وقالوا إنه هو الذي بادر بإطلاق النار ضمن ما وصفوه بمؤامرة كبرى ذات بعد إقليمي ودولي.
ووفق تسجيل صوتي متداول نُسب إلى آخر رئيس مخابرات في عهد البشير قوله:”إن وكالة تركية، هي التي كشفت تفاصيل هذه المؤامرة التي كان من بين أهدافها إقامة حكم علماني قوامه أحزاب قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي العلمانية التوجه وحل الجيش السوداني وبناء جيش جديد محله يكون الدعم السريع نواة له، في تجربة شبيهة بحل الجيش العراقي عام 2003″. وكانت هذه النقطة بالذات السبب في دفع الكثيرين للوقوف إلى جانب الجيش خوفاً من تفكيكه و ن ثم توالد ميليشيات كثيرة تنتشر في السودان تهدد أمنه وتزعزع استقراره.
وأعرب أحمد هارون الذي أسندت إليه رئاسة حزب المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد ثلاثين عاما في عهد عمر البشير، في تسجيل صوتي تم تداوله على نطاق واسع إثر هروبه من سجن كوبر مع عدد من القياديين الإسلاميين في عهد البشير من سجن كوبر، أعرب عن تأييده للجيش في قتاله مع الدعم السريع دون الإشارة إلى القيادة الحالية للجيش، واصفاً الإطاحة بحكم البشير بالانقلاب العسكري.
ويقول مؤيدو حكم البشير إنهم يساندون الجيش في معركته الراهنة لأنه جيش الوطن وأنهم لايطمعون في تولي أي مناصب في الفترة الإنتقالية، وأنهم سيخوضون الانتخابات العامة بعد إنتهاء الفترة الإنتقالية.
الدعم السريع:
معظم المدنيين الذين أيدوا الدعم السريع فعلوا ذلك بحجة أنهم يؤيدون الاتفاق الإطاري وعلى أمل أن يفضي ذلك إلى تسليم مقاليد الأمور في نهاية المطاف إلى حكم مدني وإلى إختفاء المكون العسكري بشقيه: الجيش والدعم السريع، من الحكم والحياة السياسية وعودتهم إلى الثكنات.
بيد أن قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، التي تؤيد الاتفاق الإطاري وأصبحت قريبة من قائد الدعم السريع في توجهه الجديد رغم انتقاداتها الشديدة له في الماضي ولقيادة الجيش وتحميلهما مسؤولية فض الإعتصام أمام مبنى قيادة الجيش في الثالث من يونيو/ حزيران 2019، ومسؤولية الانقلاب العسكري الذي قام به قائد الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2021، إلا أنها لاذت بالصمت ولم تساند الدعم السريع في القتال الدائر، حيث كانت قيادته تتوقع ذلك. واختفى بعض قياديي قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي من المشهد تماما، بل إن بعضهم غادر البلاد. بينما اعتبر بعضهم الآخر أن هذا القتال خسارة للطرفين وأنه يجب أن يتوقف.
وطالب زعيم حزب الأمة فضل الله برمة ناصر رئيس حزب الأمة، بتدخل دولي إن لم يتوقف القتال. في وقت اكتفت فيه نائبته في رئاسة الحزب مريم الصادق المهدي بالقول إنها تلوم نفسها فيما حدث وتحمل نفسها المسؤولية فيما يشبه الإعتذار والندم. بينما قال خالد محمد عمر الناطق باسم الحرية والتغيير- المجلس المركزي إن شغلهم الشاغل الآن هو وقف الحرب، واتهم من وصفهم بالترويج لهذه الحرب وإشعالها بتلفيق الأكاذيب بأن هذه الحرب اندلعت بسبب الاتفاق الإطاري وأن قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي، اتفقت مع الدعم السريع على الانقلاب على الجيش والاستئثار بالسلطة هي والدعم السريع.
الفئة الثالثة :
نأت الفئة الثالثة من السودانيين بنفسها عن طرفي القتال. وهي تتألف من شرائح مختلفة من الشعب السوداني و المستقلين ولجان المقاومة من شباب (الثورة)، وقوى اليسار بصورة عامة. وهي تدعو جميعاً إلى وقف الحرب وتطالب الشعب والقوى الإقليمية والدولية بالضغط على الطرفين لتحقيق هذه الغاية. ومن ثم الاستمرار فيما بعد بإرساء حكم مدني ديمقراطي.
خلاصة:
يقول مراقبون إن المواجهة بين الجيش والدعم السريع كانت آتية لا ريب فيها في ظل تمدد الدعم السريع وتطوره وازدياد نفوذه وقوته في العتاد والعدة. ويجادلون بأن بعض قادة الجيش كانوا يتململون وغير راضين عن ذلك. ويجادلون بأن نذر ذلك كانت واضحة منذ أن تحرك قائد سلاح المدرعات الذي كان قد عاد وقتها من رحلة استشفاء في مصر، هو وقواته في 21 سبتمبر/ أيلول 2021 وأخبر مدير الأمن العسكري بأنه ليس متمرداً ولا إنقلابياُ، ولكن لديهم مطلب واحد هو حل قوات الدعم السريع واستلام سلاحها فوراً. واتضح وقتها لقائد الجيش أن هذا هو رأي عدد كبير من أفراد الجيش السوداني.
ويقول المراقبون إن قائد الجيش الذي كان يشعر بتقلص شعبيته في صفوف قواته كان يؤجل المواجهة مع الدعم السريع لأنه كان يستخدمه كفزاعة لتخويف ضباط جيشه من القيام بأي تحرك ضده.
وبغض النظر عمن أطلق الرصاصة الأولى في القتال الدائر، وبغض النظر عمن يقود الجيش فإن غالبية الشعب السوداني في الماضي، كانت دائما تقف إلى جانب الجيش حتى وإن كانت هناك معارضة لمن يتولى قيادته أياً كان، فقد حدث ذلك بعد فشل الإنقلاب الذي خطط له الحزب الشيوعي السوداني ضد جعفر نميري في يوليو/ تموز عام 1971 و حصل رد الفعل ذاته عندما نظمت الجبهة الوطنية المعارضة غزواُ مسلحاً ضد نميري في يوليو /تموز عام 1976 ، وحصل الأمر ذاته عندما انضم العقيد جون غارانغ عام 1983 إلى الكتيبة 105 التي تمردت في بلدة بور في جنوبي السودان. وحصل الجيش على التأييد ذاته عندما اندلع التمرد في دارفور إبان حكم البشير عام ألفين وثلاثة، وكذلك في مايو/ أيارعام 2008 عندما دخل متمردو حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم أم درمان والخرطوم.