أثر “تمساح قديم” بإقليم تازة يعيد عاصمة المغارات بالمغرب إلى الواجهة
ساهم اكتشاف فريق من الباحثين أثر تمساح “تيليوصوريد”، من أوائل العصر الجوراسي، في مغارة بإقليم تازة في إعادة هذه المنطقة إلى الواجهة لما تزخر به من مغارات وكهوف تقدر بالمئات، ويعتبرها المهتمون بمجال الاستغوار عاصمة المغارات وأرشيفا للتكوينات الجيولوجية الباطنية للأرض.
الاكتشاف صدر ضمن دراسة علمية نشرت في “مجلة علوم الأرض الإفريقية”، وتقول إن أثر هذا التمساح يعود إلى ما بين 201 و145 مليون سنة مضت، في مغارة “الشعرة” الواقعة بجبال الأطلس المتوسط نواحي إقليم تازة.
بدأ الأمر في يوم من أيام سنة 2017 حين قام أعضاء من الجمعية المغربية للاستغوار والسياحة الجبلية بملاحظة المستحثة، حيث نشروا صورها على مواقع التواصل الاجتماعي وتواصلوا مع عدد من الباحثين لتنطلق عمليات المعاينة والتحليل والدراسة لسنوات.
أيوب نحيلي، طالب بسلك الدكتوراه بجامعة السلطان مولاي سليمان بمدينة بني ملال مشارك في الدراسة العلمية، قال لهسبريس إن “الأمر تطلب دراسة جيولوجية للموقع ودراسة طبوغرافية إضافة إلى دراسة حفرية،
ونمذجة ثلاثية الأبعاد بالمسح التصويري، كما تمت الاستعانة بفريق برنامج أمودو لتصوير الموقع”.
مغارة الشعرة
تقع مغارة “الشعرة” حيث تم الاكتشاف العلمي، المعروفة أيضاً باسم “إفري أزوكاغ”، أي المغارة الحمراء، بجبال الأطلس المتوسط بإقليم تازة، وبالضبط بنفوذ الجماعة الترابية الصميعة، وهي عبارة عن تجويف كارستي طبيعي على شكل نهر تحت أرضي نشط، تحتوي على قاعات عدة موزعة على طابقين.
بحسب إفادات نحيلي، فإن المغارة كانت معروفة لدى الساكنة المحلية منذ سنين، لكن أول استكشاف لها كان من طرف المستغورين الفرنسيين سنة 1969، ومنذ تلك السنة تعاقبت على زيارتها مجموعات استغوارية من بلدان أوروبية تمكنت من كشف خباياها ووضع خرائط عدة لها.
وفي نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين، بعد إنشاء جمعيات الاستغوار المغربية وتكوين مجموعات استغوارية محلية، بدأ الاهتمام مغربيا بالمغارة بتنظيم زيارات عدة سمحت بإعادة اسكتشافها إلى جانب المغارات المنتشرة بكثرة في الإقليم.
تم الاكتشاف والتعرف على هذه المستحثة في البداية من طرف عدد من المستغورين من الجمعية المغربية للاستغوار والسياحة الجبلية بتازة، كما نالت اهتمام جمعية “روندوكسيجين” وجمعية “موروكن إكسبلورر”، وتمت الاستعانة بخبراء وأساتذة جامعيين مغاربة وأجانب.
خلاصة الاكتشاف
هشام بناني، طالب بسلك الدكتوراه بكلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن الأمر يتعلق بتمساح “تيليوصوريد” وُجد في سقف المغارة على مستوى طبقة سميكة من الحجر الجيري الدولوميتي يعود إلى أوائل العصر الجوراسي.
وأضاف بناني، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الاكتشاف هو الأول من نوعه بالإقليم، وسيكون له دور في تطوير التراث الجيولوجي بالمغرب عامة، وبإقليم تازة خاصة”.
الوصول إلى الخلاصة في هذه الدراسة العلمية لم يكن أمرا هينا، فقد تطلب الأمر إجراء دراسة مفصلة للحفرية، بما في ذلك أطراف الجمجمة والفك السفلي للعينة، طبقاً لمعايير وخصائص مورفولوجية دقيقة، حيث أكد أيوب نحيلي أن المادة لم تسمح بالتحديد الدقيق لصنف المستحثة.
الخبراء في هذا المجال أكدوا بالتمحيص المورفولوجي، وفق إفادات نحيلي، أن المستحثة من نوع “تيليوصوريد” الموجود على مستوى الحجر الجيري الدولوميتي، والدراسة الجيولوجية أوضحت انتماءه إلى أوائل العصر الجوراسي، كما تم إجراء دراسة جيولوجية مستفيضة ورسم طوبوغرافي للممرات الرئيسية للمغارة ولموقع المستحثة.
ومعلوم أن معظم التليوصورات المعروفة موجودة في أوروبا، وهي نادرة بشكل خاص خارجها، وفي إفريقيا لا توجد إلا في القليل من الدول مثل تونس وإثيوبيا والمغرب ومدغشقر، ويعد اكتشاف بقايا جديدة في المغرب في مجال الحجر الجيري الدولوميتي، الذي يعد الأقدم في العصر الجوراسي، أمرا مهما للغاية؛ لأنه يمثل أقدم تمساح ثلاتوسوتشيان إفريقي معروف إلى حد الآن.
عاصمة المغارات
تزخر منطقة تازة بعدد كبير من المغارات، ما جعلها تُعرف بعاصمة المغارات والكهوف في أوساط المستغورين، وبها توجد مغارة “فريواطو”، أشهر مغارة في المغرب لكنها مغلقة منذ سنة 2016 بعد تسجيل وفاة زائرة داخلها، ناهيك عن نزاع حول استغلالها.
عبد الله الغلوش، الكاتب العام للجمعية المغربية للاستغوار والسياحة الجبلية بتازة، قال إن مغارة الشعرة، حيث تم العثور على العينة من التمساح، تعتبر من أجمل المغارات في المغرب لما تتوفر عليه من تكوينات وصواعد ونوازل بالمئات على طابقين تتيح للزائرين تجربة فريدة من نوعها.
وأشار الغلوش، في حديث لهسبريس، أن هذه المغارة كانت معروفة لدى الفرنسيين والإنجليز منذ عقود، وبداية التسعينات بدأ أعضاء الجمعية في استكشافها بوسائل جد بسيطة إلى أن لاحظ لحسن المنصوري، نائب رئيس الجمعية، سنة 2017 الفك الذي اعتقد في الأول أنه قرن يعود للأيل ليتبين فيما بعد أنه يعود لتمساح قديم.
بعد هذا الاكتشاف، حاولت الجمعية التواصل مع أساتذة باحثين. وفي سنة 2021، تم التواصل مع بعض أعضاء فريق البحث ومرافقتهم إلى المغارة من أجل العمل جماعيا، إلى أن تم إصدار البحث العلمي في مجلة “علوم الأرض الإفريقية”، ثمنته الجمعية وتمنت لو كان دورها بارزاً بشكل أكبر فيها.
مسار الجمعية
تأسست الجمعية المغربية للاستغوار والسياحة الجبلية بتازة عام 2002، وكان أعضاؤها قبل تأسيس الجمعية يهوون الاستغوار، وساهموا طيلة سنوات في مجموعة من البحوث مع الجامعات المغربية والأجنبية، كما قاموا باكتشاف مغارات عدة داخل إقليم تازة وخارجه.
تشتغل الجمعية أيضا في مجال السياحة الجبلية من خلال التعريف بالمسارات السياحية في المنطقة، ولديها مشاريع عدة لاستقبال السياح لدى السكان المحليين في ظل ضعف بنيات الاستقبال من فنادق مصنفة قريبة من أماكن الاستغوار.
بحسب إفادات الغلوش في تصريح لهسبريس، يضم إقليم تازة ما يزيد عن 300 مغارة، منها 125 مغارة محصية بإحداثياتها، وفي كل مرة يتم اكتشاف مغارة جديدة بعد تلقي إخبار من طرف السكان. وعبر الغلوش عن أمله أن تتم إعادة فتح مغارة فريواطو لأنها تجلب أكثر من 10 آلاف زائر في السنة.