أخبار العالم

ملايين السودانيين يدفعون ثمن الاقتتال الدامي



تأثرت كافة مناحي الحياة في السودان بشكل كبير جراء الاشتباكات التي شهدتها البلاد، التي من الممكن – لأسباب لدى أي من طرفيها – أن تتجدد في أي وقت رغم الهدنة المعلنة.

كما أثارت الأحداث الجارية قلقا واسعا على المستويين الإقليمي والدولي، وصدرت إثرها نداءات كثيرة إلى وقف القتال الذي دفع مختلف الدول إلى بذل جهود مكثفة لإجلاء رعاياها من البلاد، وأدى أيضا إلى موجات نزوح متزايدة للسودانيين، داخليا وخارجيا.

وبصوت باك وحزين وعين دامعة، قالت فاطمة محمد، وهي ربة منزل يعمل زوجها بالسعودية، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إنها مجبرة على الرحيل عن منزلها بحي بحري في العاصمة الخرطوم والعودة إلى مسقط رأسها بمدينة دنقلا في الولاية الشمالية، بعد أن دمرت قذيفة طائشة أثناء الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع جزءا منه، وأحالته إلى تراب؛ وقدر الله أنها لم تصب هي أو أبناؤها بأذى، لكنها أكدت أنها فقدت أعزاء لها في الحي، أنهت قذيفة طائشة حياتهم، ما اضطرها إلى أن تحزم أمتعتها وتُعد صغارها لمغادرة الخرطوم رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.

وأضافت فاطمة لمراسلة “د. ب. أ” التي التقت بها في محطة نقل ومواصلات الخرطوم أبو آدم: “أيام سوداوية عشناها هنا في مدينة بحري خلال الأيام الفائتة… فالعطش ظل يحاصرنا من كل جانب بعد انقطاع المياه عنا منذ اندلاع الحرب منتصف الشهر الحالي، وكذلك التيار الكهربائي، لتكون خاتمة معاناتنا القصف الذي شهدته منطقتنا، الذي أحال حياتنا إلى جحيم ولم يكن أمامنا سوى الهروب طمعا في حياة كريمة”.

وبالفعل، يعيش السودانيون في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى حياة مأساوية، حالهم حال فاطمة، جراء الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، وخلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى، ودمرت العديد من المنازل.

وفي ظل خروج عدد غير معروف من المستشفيات من الخدمة لأسباب مختلفة، وصعوبة الوصول إلى المستشفيات التي مازالت تعمل، لكنها تعاني من ندرة الدواء والمستلزمات الطبية الأخرى، وإغلاق الصيدليات بسبب الحرب، ونهب مصانع الأدوية؛ صارت الحياة هناك مستحيلة، ما أدى إلى نزوح الآلاف من السودانيين في الخرطوم ومدن أخرى داخليا نحو الولايات الآمنة، أو حتى اللجوء إلى الدول المجاورة.

وأثرت ظروف الحرب في السودان سلبيا على أسعار المواصلات الداخلية والبعيدة، فقيمة تذاكر السفر بواسطة الحافلات ارتفعت بشكل جنوني، وتجاوزت نسبة الزيادة حاجز الـ1000%، ما أدى إلى حالة عالقين واسعة بمناطق النزاع في أحياء الخرطوم لأناس كانوا يأملون الهرب بحثا عن الأمان.

وقالت رانيا إبراهيم، وهي موظفة ومطلقة، وتعول أسرة كبيرة، لـ “د.ب.أ”، عبر الهاتف: “أمس فوجئنا بارتفاع أسعار تذاكر السفر إلى الولاية الشمالية من 15 ألف جنيه إلى 120 ألف جنيه؛ أي ما يعادل 200 دولار. وارتفع سعر تذكرة السفر إلى مصر برا من 25 ألف جنيه إلى 350 ألفا، أي ما يزيد عن الألف دولار، ونحن أسرة تتكون من سبعة أفراد وبالتأكيد لا نملك كل هذا المبلغ”.

وأضافت المتحدثة ذاتها: “سلمنا أمرنا لله، فلا خيار أمامنا سوى مواجهة شبح الموت هنا في الخرطوم، والتضرع إلى الله أن يوقف الحرب ويخرجنا منها سالمين”.

لقد عجز الكثير من السودانيين بالفعل عن الفرار من نيران الحرب والنزوح داخليا أو خارجيا بسبب تكلفة السفر الباهظة، وفشلهم في تأمينها؛ فأبواب البنوك مازالت مغلقة منذ اندلاع الحرب، فضلا عن أن بعض السودانيين بعد أن لجؤوا إلى المدن القريبة من الخرطوم كولاية الجزيرة وسط السودان فوجئوا بارتفاع أسعار السكن هناك بما يزيد عن 1500 دولار؛ وهي أماكن يصعب على من عاش في العاصمة البقاء فيها طويلا نظرا لافتقارها لكثير من المزايا، وخاصة نقص الخدمات فيها مقارنة بالخرطوم.

ويحدو الأمل الجميع في أن تنجح الجهود الرامية إلى إنهاء الاشتباكات، التي ربما كان آخرها ما تردد عن مبادرة للهيئة الحكومية للتنمية المعروفة بـ”منظمة إيجاد”، تم التوصل إليها في اجتماع عقد في وقت سابق بين رؤساء دول المنظمة، وتقرر فيه تكليف رؤساء كل من جنوب السودان وكينيا وجيبوتي بالعمل على مقترحات حلول للأزمة الحالية في السودان، قضت بتمديد الهدنة الحالية إلى 72 ساعة إضافية، وإيفاد ممثل واحد لكل طرف من طرفي الصراع إلى جوبا، عاصمة جنوب السودان، بغرض التفاوض حول تفاصيل المبادرة.

وبحسب ما نشره مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية في صفحته على موقع “فيسبوك”، الأربعاء، فقد أبدى القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان موافقته المبدئية على ذلك، وشكر ممثلي المنظمة على مساعيهم واهتمامهم بالأزمة الحالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى