ما هي أسباب انتعاش الناتج الصناعي الروسي؟
وبحسب البيانات الصادرة عن خدمة الإحصاء الفيدرالية، فقد انتعشت الصناعة الروسية بشكل غير متوقع لأول مرة منذ عام، حيث قدمت القطاعات المرتبطة بالإنتاج العسكري أداءً قوياً وسط زيادة الإنفاق على العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
تشير البيانات إلى ارتفاع الإنتاج الصناعي بنسبة 1.2 بالمئة في مارس على أساس سنوي، وذلك مقارنة بتوقعات سابقة أظهرها استطلاع رأي أجرته بلومبيرغ بتراجع القطاع بنسبة 1.4 بالمئة.
- ناتج قطاع التعدين واستخراج الموارد الطبيعية سجل تراجعاً بنسبة 3.6 بالمئة (لم تشر البيانات المذكورة إلى إنتاج قطاع النفط على خلاف التقارير السابقة).
- قطاع التصنيع سجل نمواً بأكثر من 6 بالمئة، وذلك بفضل نمو ناتج قطاع المنتجات المعدنية تامة الصنع (تشمل الأسلحة والذخائر) بنسبة 30 بالمئة.
- إنتاج أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات والمعدات البصرية (يقول الخبراء إنها قد تشمل مكونات الطائرات ومحركات الصواريخ وأجهزة الرؤية) ارتفع بنسبة 23 بالمئة في مارس.
- إنتاج معدات النقل الأخرى (تشمل مركبات القتال والطائرات والسفن) ارتفع بأكثر من 10 بالمئة للشهر الثاني على التوالي.
عوامل “الانتعاشة الملحوظة”
من جانبه، يشير المحلل الروسي، ديميتري بريجع، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى العوامل العامة التي أدت إلى ما وصفه بـ “الانتعاشة الملحوظة” لقطاع الصناعة في روسيا، خلال الأعوام الماضية بشكل عام، وأبرز تلك العوامل:
- تحسين جودة المنتجات وتحديث التقنيات المستخدمة في الصناعات المختلفة.
- الاستثمار في الصناعات المرتبطة بالإنتاج العسكري، مثل صناعة الأسلحة والمعدات العسكرية.
- ويشير إلى أن العاملين المذكورين يعدان ركيزة مهمة في تعزيز الاقتصاد الروسي بشكل عام. كما يُبرز في الوقت نفسه عدداً من العوامل الأساسية التي أدت إلى الصلابة النسبية التي أظهرها الاقتصاد الروسي، ومنها:
- امتلاك روسيا لثروات طبيعية هائلة، مثل النفط والغاز الطبيعي، مما جعلها واحدة من أكبر المصدرين لهذه الموارد في العالم.
- تنوع اقتصاد روسيا وتوسعه في مختلف القطاعات الاقتصادية، وليس فقط في القطاع النفطي.
- تبني الحكومة الروسية سياسات مالية ونقدية حكيمة، وإدارة الدين العام بطريقة محكمة، مما أدى إلى تحقيق الاستقرار المالي والنقدي.
- ارتفاع أسعار النفط والغاز في الفترة الأخيرة، ما دعم الاقتصاد الروسي.
ويشدد على أنه “منذ بدء العملية العسكرية الخاصة ضد أوكرانيا، والتي بسببها تم فرض ما يقارب 10 حزم من العقوبات الأوروبية، كما تم إدراج 1275 روسياً في القائمة السوداء وإدخال 435 إجراءً ضد الكيانات القانونية، وطبقاً لبعض الخبراء فإنه بعد مغادرة بعض الشركات الأجنبية للبلاد احتلت الشركات المصنعة المحلية مجالات فارغة، وتمكن الكثير منها من تحويل التحدي في شكل عقوبات وقيود إلى نجاح.
أما بالنسبة لتأثير العقوبات الغربية على اقتصاد روسيا عموماً، يردف قائلاً: أثرت العقوبات على بعض القطاعات الاقتصادية، مثل القطاع المالي والطاقة، وتسببت في ارتفاع تكاليف الاقتراض وتراجع قيمة العملة الروسية، ولكنها لم تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الروسي عموماً، لا سيما في ظل تنوعه وتوسعه في مختلف القطاعات.
ويتابع المحلل الروسي: روسيا بكل تأكيد تعاني من مشاكل داخلية متعلقة بالفساد المالي والذي يوثر على القطاع العسكري ويضعف من قدراتها، ولكن بناء موسكو شبكة من الدول من أجل تخطي العقوبات أمر مهم ساعد على حل جزء من المشاكل الاقتصادية.
وبحسب بريجع، فمن الواضح أن “الفراغات” تظهر الآن في السوق في عديد من المجالات التي يمكن ويجب استخدامها. في معظم الصناعات، من الإلكترونيات الدقيقة إلى بناء الأدوات الآلية، على الرغم من عدم وجودها في جميع القطاعات، تمتلك روسيا بالفعل حلولاً تنافسية اليوم.
زيادة الإنتاج العسكري
وبدأت زيادة الإنتاج العسكري في روسيا، في فبراير الماضي، وتلا الزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي في أوائل العام، والتي قال مسؤولون إنها مرتبطة بعقود غير محددة.
وتعتبر البيانات المتعلقة بالإنتاج العسكري من أسرار الدولة، لكن الاقتصاديين يقولون إن القطاع كان من أكثر القطاعات مرونة منذ بدء أزمة أوكرانيا قبل أكثر من عام. وقال الرئيس فلاديمير بوتين مراراً وتكراراً إن مصانع الأسلحة تعمل على مدار الساعة لمواكبة الطلب.
الصناعات الحربية
وإلى ذلك، يقول الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن انتعاش الصناعات الحربية أو الصناعات المزدوجة ذات الأبعاد المدنية والعسكرية في آن، هو أمر طبيعي في زمن الحرب.
ويلفت إلى أن بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام تشير إلى أن الميزانية العسكرية الروسية بلغت العام الماضي أكثر من 80 مليار دولار مقارنة بـ 50 مليار دولار في سنوات سابقة. لكنه يعتقد في الوقت نفسه بأن “تلك البيانات مخادعة، في ضوء اختلاف منهجية الحساب”.
فعلى سبيل المثال في العام الماضي كانت هناك فترة انخفض فيها سعر الروبل لأدنى مستوى منذ 2015 أمام الدولار الأميركي، وبالتالي ربما تكون هذه الزيادة في النفقات ناتجة عن الحرب وزيادة الصناعات، وأيضاً عن منهجية تقدير الأرقام.
- تشير بيانات معهد ستوكهولم، إلى ارتفاع الإنفاق العسكري العالمي في العام 2022 بنحو 2.2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، ليبلغ حوالي 2.24 تريليون دولار، ليسجل رقما قياسيا للمرة الثامنة على التوالي.
- أظهرت التقديرات في الوقت نفسه ارتفاع الإنفاق الروسي على السلاح بنسبة 9.2 بالمئة العام الماضي.
وبموازاة ذلك، يشير الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، إلى عامل رئيسي ساعد روسيا على “الصمود” نسبياً أمام العقوبات، يرتبط بما وصفه بـ “الطابع المحدود للعقوبات الغربية” التي فرضت في البداية عقوبات لم تشمل قطاع الطاقة، بينما كانت الميزانية الروسية تعتمد بنسبة 40 بالمئة تقريباً على عوائد تصدير النفط والغاز، علاوة على أن العقوبات كانت مباشرة على روسيا ومؤسساتها دون عقوبات ثانوية على كل من يتعامل مع روسيا، مثلما هو الحال فيما يخص العقوبات المفروضة على إيران.
وبالتالي هذا وفر لروسيا عديداً من الثغرات حتى تلتف على العقوبات، عن طريق بناء شراكات مع دول آسيوية وعربية وأفريقية ودول في أميركا اللاتينية لم تنضم للعقوبات.
ويتابع: “هناك تقديرات تقول إن الدول التي لم تنضم للعقوبات ضد روسيا يشكل عدد سكانها نحو75 بالمئة من سكان الأرض باستثناء المليار الذهبي في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية”، على حد وصفه.
ويشدد القليوبي على أن “العقوبات هي سلاح ذو حدين؛ لأن الرخاء الاقتصادي النسبي للعالم يعتمد على تنوع الشراكات التجارية، والتجارة قائمة بالدرجة الأولى على الاختلاف بين الدول من حيث الموارد الطبيعية والظروف والقطاعات الإنتاجية .. بالتالي عندما يتم فرض عقوبات على دولة ما فهي تحرم من عوائد تصدير مواد بعينها، والطرف الآخر يفقد هذه السلع مما يقلل عرضها ويزيد الطلب عليها وأسعارها، وهذا ما يؤدي لارتفاع نسبة التضخم في الغرب لأكثر من 10 بالمئة لأول منذ عقود”.