دراسة تشترط ثقة المغاربة في المؤسسات لإنجاح إحداث “صندوق الزكاة”
خلاصات مثيرة ولافتة تضمنتها دراسة استطلاعية تبحث في “النية السلوكية للمشاركين في الزكاة تجاه إحداث صندوق الزكاة في المغرب”.
وأبانت أبرز خلاصات الدراسة البحثية، المنشورة حديثا في “المجلة الدولية للمالية الإسلامية”، عن أن “ثقة المواطنين في المؤسسات العمومية عامل ضروري حاسم من أجل تأسيس صندوق زكاة مركزي بالمملكة”.
الدراسة، التي يقف وراء إنجازها ونشرها أربعة باحثين أكاديميين مختصين من بينهم مغربي اسمه محمد حمزة غاوري من “الجامعة الإسلامية الدولية” في ماليزيا، تركز على «النية السلوكية للمشاركين في الزكاة تجاه صندوق الزكاة في المغرب»؛ فيما جاءت مستندة في نتائجها إلى دراسة استقصائية استطلعت آراء أكثر من 300 شخص، بالإضافة إلى إجراء دراسات سلوكية.
وتكشف هذه الدراسة، التي تتوفر هسبريس على نسختها، أنه “من الضروري بناء الثقة بين الأفراد والمؤسسات الحكومية لجعل صندوق الزكاة يعمل في المغرب؛ وهي مؤسسة يفضلها المغاربة حسب دراسات أخرى؛ لكنها لا يمكن أن تنجح بدون سند ثقة”.
“الزكاة وسيلة للعدالة الاجتماعية”
من بين أبرز ما سجلته الدراسة المذكورة أن “غياب مؤسسة مركزية لجمع أموال وموارد الزكاة يمثل عيوبا عديدة”، بشكل قد يفوت فرصا تنموية سوسيواقتصادية هائلة في الحالة المغربية.
إنها “أداة ذات صلة وثيقة بتحقيق وبلوغ العدالة الاجتماعية” (justice sociale)، هكذا تُعرف هذه الدراسة الزكاة من الناحية المبدئية بغض النظر عن الاصطلاح الفقهي وأبعادها المقاصدية في دين الإسلام.
وأضافت شارحة الغرض منها في كون الزكاة يتم استخدامها “لتوفير الموارد النقدية اللازمة لتعزيز التنمية من خلال تأثيرها المباشر والفعال على اكتناز المال”. وبالتالي، أوردت الدراسة، “يمكن استخدام المبلغ المحصل من الزكاة في مشاريع تنموية مختلفة؛ مثل توفير أدوات ووسائل الإنتاج وخلق مشاريع مدرة للدخل”.
الغرض والهدف الأساس من الزكاة “مرتبط بالتنمية الاجتماعية”، حسب الباحثين، الذين شددوا على دورها بشكل أساسي من خلال “مكافحة الفقر”.
وأردف المؤلفون مستدركين بالقول: “ومع ذلك، فإن فعاليتها، كمقياس للحماية الاجتماعية، تختلف باختلاف طريقة جمعها وإدارتها وتدبيرها وكذا الظروف الجغرافية والسياسية”.
بالنسبة لمؤلفي هذه الدراسة، فإن “غياب مؤسسة مركزية له عيوب عديدة، بما في ذلك عدم توفر الملفات؛ فعدم وجود وثائق يجعل من الصعب معرفة من دفَع بالفعل التزام الزكاة ومن هم المستفيدون الذين استلموها”، لافتين إلى أن “هذا يمكن أن يتسبب في حصول المستفيد على الزكاة أكثر من مرة وعدم حصول الآخرين على أي شيء”.
خلط” بين زكاة المال وزكاة الفطر!
وفق مسح بحثي (استطلاع رأي) أطلقه مؤلفو هذه الدراسة شمل جمع 374 إجابة، 343 منها اعتبرت “قابلة للاستخدام”، جاءت نسبة الرجال والنساء “شبه متوازنة” (49.2 في المائة نساء).
أبرز نتائج المسح كشفت أن نسبة المعتقدين المؤمنين بالزكاة بلغت 37.5 في المائة، وهم من فئة تتراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة؛ في حين أن 58.1 في المائة منهم عازبون، و57.2 في المائة “لا يُعيلون أي شخص”.
وعند سؤالهم عن فرض الزكاة ووجوبها أدائها من الناحية الدينية، أجاب 97.8 في المائة من المؤمنين بالزكاة بالإيجاب، مؤكدين وجوبها دينيا.
أما المثير للدهشة فهو أن 23.2 في المائة (حوالي ربع المستطلعين) من مناصري وجوب الزكاة “ادعوا أن الزكاة يجب أن تُدفع أكثر من مرة في السنة”، “ربما لأنهم أخذوا زكاة الفطر في الاعتبار”، علق الباحثون.
“المحيط المجتمعي” يحكم منطق توزيع الزكاة
بالنسبة لطرق دفع الزكاة وتوزيعها، فقد اختار المستطلعة آراؤهم، بأغلبية ساحقة، تخصيص الزكاة لأفراد “المجتمع المباشر والممتد”، يليها التبرع بالزكاة للجمعيات أو المنظمات غير الحكومية الأخرى التي تتواصل مع المحتاجين والمعوزين.
النمط الثالث، حسب المصدر ذاته، يشمل المستفيدين بمن فيهم أفراد الأسرة المباشرة القريبة والممتدة عبر شبكة العائلة (الإخوة، الأخوات، أبناء الأخ، أبناء العم، بنات الأخ، إلخ). ويكشف هذا الاستطلاع أن “قلة من المؤمنين بالزكاة يعطون الأولوية للأشخاص من نفس المنطقة الأصلية أو القبيلة أو المجموعة الاجتماعية.
أخيرا، فإن دفع الزكاة للإمام أو المسجد يظل “الخيار الأخير الذي يختاره الراغبون في أداة الزكاة”، وفق خلاصات المسح البحثي.
خلاصات وتوصيات
وجد الباحثون أن “الموقف أو السلوك هو الوحيد الذي له تأثير إيجابي كبير على نية المغاربة بخصوص موضوع الزكاة”. وخلصت دراستهم إلى أنه “لكي ينجح صندوق الزكاة ، يجب على الحكومة أن تسعى جاهدة إلى خلق موقف إيجابي لدى المغاربة تجاه الصندوق”.
“يجب على السلطات بذل جهود كبيرة لرفع الوعي العام بدور صندوق الزكاة المركزي وقدرته على معالجة القضايا الاجتماعية على نطاق أوسع”، أوصى المصدر.
“التدين هو الدافع المهم للموقف؛ لذلك من المستحسن إعطاء صندوق الزكاة جانبا دينيا وليس سياسيا أو حكوميا. يمكن للسلطات أن تتعلم من التجربة الماليزية التي نجحت في عزل مؤسسات الزكاة والوقف عن طريق وضع تحت سلطة المجالس الدينية لكل دولة، ومن العوامل المهمة الأخرى في الموقف الثقة في أداء المؤسسة ومصداقيتها، حيث تدور انتقادات لمؤسسات الزكاة حول الافتقار إلى التنسيق والكفاءة والمساءلة والشفافية”.
“الثقة عنصر حاسم”، شدد منجزو الدراسة التي تقترح أيضا “توصيات” تهدف إلى تحسين الثقة بين الجمهور وصندوق الزكاة”؛ أبرزها “توفير منصة زكاة مفتوحة الوصول تهدف إلى إتاحة إمكانية التتبع والمراقبة من مرحلة التبرع إلى توزيع الأموال على المستفيدين”. كما نادت بـ”نشر التكنولوجيا المالية من خلال اعتماد تقنيات blockchain والعقود الذكية لضمان السلامة والموثوقية والشفافية وإمكانية التتبع”.