«جون ويك: الفصل الرابع».. الخدعة اللذيذة
مارلين سلوم
كثير من نجوم «هوليوود»، إن لم يكن الجميع، يحبون أن يقترن اسمهم بشخصية واحدة يؤدونها مرة ويعودون مراراً لتقديمها، في سلسلة متشابهة من القصص التي تختلف في التفاصيل، لكنها واحدة في الروح والهدف والنوع. وغالباً ما يميل إلى هذا التكرار نجوم أفلام «الأكشن» والحركة والمغامرات، فتلتصق بهم الشخصية وتطغى أحياناً على الاسم الحقيقي للنجم. ومن هؤلاء جيمس بوند، وإيثان هانت (توم كروز) وجون ويك (كيانو ريفز) وغيرهم. ريفز أصبح هو جون ويك البطل الشهم الذي ظهر لأول مرة عام 2014، ويعود لجمهوره في الصالات مع أفلام العيد، ليواصل تقديم مغامراته الخطيرة ويزيد من جرعتها قليلاً، فيجذب الجمهور ويحقق إقبالاً يضمن له النجاح والاستمرارية، فهل يستحق «جون ويك.. الفصل الرابع» المشاهدة حقاً؟ وأي جمهور يشيد به ويتحمس له؟.
يحافظ «جون ويك» وصنّاعه على نفس المستوى الذي انطلقوا به عام 2014، وفي الأجزاء الأربعة يحرصون على التنويع في تشكيلة المغامرات والقصص الشائقة التي يحيكونها. في البداية كانت من تأليف ديريك كولستاد فقط، واليوم أصبح له شريكان في الكتابة هما مايكل فينش وشاي هاتن، بينما يحافظ المخرج تشاد ستاهلسكي على حضوره ووضع لمساته المميزة في رفع مستوى «الأكشن» والتشويق وتقديم مشاهد عالية الجودة ترضي جمهور 2023 والشباب الذي تشبع من أفلام الحركة بمختلف مستوياتها وأشكالها سواء في السينما أو على صفحات وسائل التواصل والفيديو والألعاب الإلكترونية، فبات من الصعب إرضاؤه أو الضحك عليه بمشاهد «أكشن» هابطة أو ضعيفة.
البطل القاتل
النجم كيانو ريفز له نصيب أيضاً في لعبة جذب الجمهور لضمان ولائه للبطل «جون ويك»، ريفز التصق اسمه بالشخصية ويناديه البعض باسمها في أي عمل تواجد، ولا يهتم الجمهور لكون البطل قاتلاً، ففي مثل هذه الأفلام كل الأخطاء والخطايا تكون مغفورة للنجم الشهم، وجون ويك مهما ارتكب من جرائم يبقى البطل الخارق الذي يجد نفسه في كل مرة مطارداً من قبل أحدهم، وهذه المرة الماركيز (بيل سكارسجارد) هو العدو الذي يسعى وراء ويك والمطلوب قتله بأي ثمن.
يصعب علينا اليوم تخيّل نجم آخر غير كيانو ريفز في شخصية جون ويك، يؤديها بسلاسة، ملامحه وبنيانه ورشاقته ونظراته تقرّب الشخصية من الجمهور، مقنع بأدائه أكثر مما تقنعنا القصة بسير أحداثها التي تبدو مفتعلة ومبالغ فيها أحياناً، خصوصاً أنها تمتد لنحو ثلاث ساعات بينما يمكن اقتطاع ساعة منها دون أن يتخلخل النص أو نشعر بنقص في المضمون، لكن جمهور ريفز وجمهور أفلام الحركة لا يمانع مهما امتدت الأفلام وطالت مادام التشويق مضموناً، والبطل يملك مهارات متنوعة في القتال سواء بالأسلحة أو من دونها، والمؤثرات البصرية والصوتية رائعة، كما هي الحال في هذا الجزء الرابع.
لا يمكن الاكتفاء بعدو واحد، بل هناك دائماً عدو ظاهر يختبئ خلفه أعداء، أو بالأحرى «عدو أكبر» هو الرأس المدبر ولديه مجموعة من الأشرار يحركهم وينشرهم في كل مكان بحثاً عن جون ويك. الماركيز (بيل سكارسجارد) هو المحرض والساعي إلى الانتقام، الزعيم الجديد لمنظمة «المائدة المرتفعة» يقتل في بداية الفيلم شارون (لانس ريديك) المسؤول عن الاستقبال في الفندق، بدلاً من مدير الفندق وينستون (إيان ماك شاين)، ثم يبحث عن أحد أقدم أصدقاء وزملاء جون ويك الكفيف كاين (دوني ين) ليطلب منه البحث عنه وقتله. قبل ذلك، نعود قليلاً إلى المشهد الأول من الفيلم، حيث نرى ويك في مشهد قتالي في الصحراء، حيث يتعمد المخرج أن يجذب الجمهور منذ اللقطة الأولى فيُدخله في قلب التشويق مباشرة. الماركيز يرفع من قيمة المكافأة لمن يأتيه برأس ويك، لذا يتجه البطل نحو اليابان ليطلب المساعدة من رئيس أوساكا كونتيننتال، شيمازو (هيرويوكي سانادا) حتى يتمكن من مواجهة القاتل الأعمى كاين. يظهر لورنس فيشبورن بين الحين والآخر بشخصية بوري كينج الملازم لويك، بينما يؤدي شامير أندرسون دور قاتل يسعى إلى الوصول إلى جون طمعاً بالمال. بطل محاط بالأشرار ومطاردات ترسم له طريقاً دموياً يمتد من نيويورك إلى أوساكا إلى برلين ثم باريس.
في باريس تبدو مشاهد القتال سريالية، خصوصاً في بازيليك القلب المقدس، حيث يحتدم القتال على السلالم، وبطلنا طبعاً يسقط ويقف ويهبط ويعلو ويتدحرج وينهض وكأن شيئاً لم يكن! إنه سحر السينما وسحر «الأكشن» الذي يخدع المشاهدين والمشاهدون يخدعون أنفسهم بادعائهم تصديق ما يرون على الشاشة، إنها الخدعة اللذيذة.
محاولة التفرد
كلنا نفهم اللعبة منذ البداية، عصابة أو منظمة تطارد البطل وعليه تبرئة نفسه والقتال بشراسة كي يقضي على الأشرار وينتصر. وكلنا نعرف أن هذه الأفلام تتشابه في إطارها العام وتختلف في التفاصيل، لذا يسعى كل مخرج إلى التفرد بأساليب مختلفة في تقديم الفيلم. ويبدو أن المخرج تشاد ستاهلسكي يجيد التفنن في مسك خيوط التشويق منذ البداية وحتى النهاية، البطل الذي لا يُحرق ولا يغرق ولا يموت ولا يتألم، هو نفسه في كل هذه الأفلام أياً كان اسمه وشكله، ولا بد من أن نخاف عليه من تكتل المتآمرين ضده وحوله، وهنا نقلنا المخرج من اليابان إلى مدن عدة، وصولاً إلى باريس فشعرنا بأن حياة جون ويك مهددة وأنه أينما اتجه سيجد من يتجسس عليه ويتعقبه ويخطط للنيل منه.
المضحك في هذه النوعية من الأفلام، ونلاحظه بشدة في فيلمنا هذا، أن القتال والمعارك تدور في كل الأماكن العامة المفتوحة والمغلقة والمكتظة بالناس، هنا مثلاً في ملهى ليلي وسط الراقصين، وفي الشارع وسط السيارات والمارة.. ورغم ذلك تستمر الحياة بشكل طبيعي ولا أحد يهرب ولا رقصة تتوقف ولا مارة يخافون ولا أحد يحاول التدخل أو الاستغراب. وكأنه عالم مفصول، مشهد داخل مشهد لا رابط بينهما، سوى وجود البشر كأكسسوار لزوم التصوير!.
الظهور الأخير
الفيلم جيد، يحبه الشباب والكبار أيضاً، ولا شك في أن عشاق جون ويك سينتظرون ظهور جزء خامس كي تستمر المغامرات ولا يموت البطل أبداً. الممثلون مناسبون كل في مكانه، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن كيانو ريفز والمخرج تشاد ستاهلسكي أصدرا بياناً ينعيان فيه لانس ريديك الذي فارق الحياة فجأة إثر أزمة قلبية، ويعتبر «الفصل الرابع» آخر أفلامه ومشاركاته مع هذه السلسلة.
[email protected]