توقيف الوزير الأسبق مبدع يعيد ملف محاربة الفساد إلى الواجهة بالمغرب
أثارت قضية البرلماني الحركي والوزير الأسبق محمد مبدع، الذي قضى ليلته الأولى في سجن عكاشة بالدار البيضاء، بأمر من قاضي التحقيق رفقة 7 أشخاص آخرين، وذلك رهن الاعتقال الاحتياطي، اهتماما واسعا من قبل الرأي العام الوطني، وأعادت النقاش حول محاربة الفساد إلى الواجهة مجددا بالمغرب.
وأشعل خبر توقيف الوزير الأسبق والقيادي في حزب الحركة الشعبية وسائل التواصل الاجتماعي الليلة الماضية، التي تناولت الموضوع من زوايا مختلفة، تباينت حسب توجهات النشطاء السياسية والثقافية.
ويأتي قرار متابعة مبدع في سياق اقتصادي واجتماعي صعب تواجهه البلاد، بسبب غلاء الأسعار ومضاعفات الجفاف، وهو ما دفع البعض إلى اعتبار تحريك القضية يهدف إلى تهدئة الوضع وإعادة بعث الثقة في المفقودة في المؤسسات.
بداية القصة
محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العالم، التي كان فرعها الجهوي بالدار البيضاء سببا رئيسيا في محنة مبدع ومن معه، أوضح أن الشكاية قدمت في الموضوع في يناير سنة 2020، واستمعت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لرئيس الفرع في فبراير من 2020، وزاد: “منذ ذلك التاريخ لم نتوان عن المطالبة بتحريك المتابعات القضائية في حق المتورطين في هذه القضية، نظرا لخطورة الأفعال تتضمنها وقائعها”.
وأضاف الغلوسي في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية: “اليوم تم اتخاذ القرار في هذه الظرفية التي تتميز بأزمة اقتصادية واجتماعية متعاظمة بسبب ارتفاع الأسعار والجفاف واحتقان اجتماعي غير مسبوق”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “المجتمع المغربي يحتاج إلى قرارات جريئة تعيد له الأمل والثقة في المستقبل، وتعزز الثقة في المؤسسات”، مبرزا أن منسوب الثقة في المؤسسات “تراجع بشكل كبير، ولهذا نثمن القرار ونعتبره خطوة إيجابية”.
وأعرب الحقوقي ذاته عن أمله أن تشكل متابعة مبدع “قاعدة في التعامل مع قضايا الفساد والرشوة، على اعتبار أنها تشكل خطورة حقيقية على التنمية والسياسات العمومية وكل البرامج الموجهة للمجتمع”.
كما اعتبر الغلوسي أن قرار الوكيل العام للملك “مؤشر إيجابي ومهم وخطوة نثمنها ونتمنى أن تتلوها خطوات أخرى مماثلة في قضايا الفساد ونهب المال العام”، مؤكدا أن “هناك قضايا استغرقت وقتا طويلا في البحث التمهيدي واتخذت فيها إجراءات ضعيفة لا تتناسب وخطورة هذه الجرائم”.
وتابع المتحدث: “نتمنى من السلطة القضائية بكافة مكوناتها أن تتدارك هذا الأمر، وأن تقدم إشارات مطمئنة”، للمجتمع في مكافحة الفساد والرشوة، في ظل ما سماه “غياب أو تغييب قانون تجريم الإثراء الغير مشروع”.
تبيض الأموال
لا يبدو أن الجمعية المغربية لحماية المال ستقف عند هذا الحد، إذ أكد رئيسها أنها ترى وجود مدخل آخر لمواجهة ظاهرة الفساد والرشوة، يتعلق بـ”الاشتباه في غسيل الأموال”، إذ تتمنى الجمعية من الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء أن يحيل نسخة من هذه القضية على وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية لتحريك مسطرة الاشتباه في تبييض الأموال، بالنظر إلى أن هذه الجريمة يعتبرها القضاء مستقلة.
وسجل الغلوسي أن الطرح يكتسي أهميته انطلاقا من أن المتهمين وجهت إليهم “اتهامات خطيرة تتعلق بالتزوير والرشوة وتبديد واختلاس أموال عمومية”، مبرزا أن شبهة تبييض الأموال من شأنها أن تساعد القضاء على “وضع اليد على ممتلكات هؤلاء المتهمين، وفي مقدمتهم الوزير السابق محمد مبدع الذي يعرف الجميع أنه كان مجرد موظف بسيط إلى جانب مقاولين”.
كما شدد المتحدث ذاته على ضرورة وأهمية محاربة الفساد لأنه يشكل خطورة على التنمية في البلاد وإنجاز المشاريع الاجتماعية الكبرى، مردفا: “لا نريد اليوم أن يقال لنا بعد مضي عشر سنوات إن النموذج التنموي فشل في تحقيق أهدافه. ولا بد من إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد والرشوة وإستراتيجية وطنية متكاملة وشاملة”.
الأحزاب في دائرة الاتهام
من جهته، اعتبر المحلل السياسي رشيد لزرق أن طبيعة المتهم ووزنه السياسي والسياق الذي جاءت فيه المتابعة أمور “تعيد طرح سؤال محاربة الفساد بقوة إلى الواجهة وفضاء النقاش العمومي”، محملا البرلمان والأحزاب السياسية مسؤولية كبيرة في الملف، بسبب انتخاب مبدع رئيسا للجنة العدل والتشريع في مجلس النواب بالإجماع.
ويرى لزرق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الواقعة تبين أن البرلمان المغربي مازال يسيطر عليه تحالف المصالح”، وأن “محاربة الفساد ليست إرادة سياسية، بدليل أن أعضاء الأغلبية والمعارضة كانوا يعرفون أن مبدع مشتبه فيه بشأن تبديد أموال عمومية ومتهم بالفساد وانتخبوه”.
وزاد المحلل السياسي ذاته موضحا: “هذا معطى سلبي. ومازالت هناك حماية سياسية من طرف رؤساء الأحزاب للفاسدين، بدليل أن الضغط الذي مورس أثمر تولي مبدع رئاسة لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، وهي التي ستشرع للمغاربة القانون الجنائي وقانون الإثراء غير المشروع، مع أدوات مكافحة الفساد. كيف يعقل هذا؟”.
وشدد لزرق على أن تحريك الدعوى العمومية في هذا الوقت بالضبط يمثل “إرادة للقضاء المستقل لمكافحة الفساد، أكثر ما هي إرادة سياسية للفاعلين الحزبيين، وبالتالي المسؤولية السياسية عن ذلك تتحملها جميع الأحزاب، لأن التصويت كان بالإجماع”، وفق تعبيره.
كما اعتبر المحلل السياسي ذاته أن الحكومة الحالية “مؤهلة أكثر لمحاربة الفساد، لأنه معروف باستشرائه في أوساط رجال الأعمال وفي الإدارات، وبالتالي طبيعة قيادة الحكومة والشخصيات التي توجد فيها تعرف مكامن الفساد وطبيعة السوق”.
ومضى لزرق موضحا أن “التخوف الحاصل دائما في محاربة الفساد هو تخويف رجال الأعمال وتهديدهم بترحيل أموالهم وأنشطتهم إلى الخارج”، مردفا: “رئيس الحكومة على دراية به ويعرف جيدا رجال الأعمال والمقاولات ومكامن الفساد”.