دراسة حديثة تقتفي أثر المجتمعات الذكورية الرافضة للنسوية على الأنترنت

قبل أسابيع، أثارت حملة قام بها نشطاء مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى نبذ الزواج من المرأة الموظفة، نقاشا مجتمعيا واسعا، لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن الفكر الذي انبثقت منه هذه الحملة هو امتداد لفكر “مجتمع ذكوري” يتبنى مواقف مناهضة للمرأة، ويوجد معتنقوه في مختلف بقاع العالم، بما في ذلك الغرب.
تشير دراسة حديثة بعنوان “المجتمع الذكوري على الأنترنت”، صادرة عن مؤسسة “ميسو للثقافة والترجمة”، أعدها الباحث المغربي في علم الاجتماع عبد الإله فرح، إلى أن موضوع الزواج من المرأة الموظفة أو العاملة هو جزء لا يتجزأ من النقاش في أوساط المجتمع الذكوري على الأنترنت، ولا سيما حركة “الحبة الحمراء” (Red Pill) التي اشتغل عليها الباحث.
ينبّه الباحث إلى أن فكرة “Red pill” لا تعارض الزواج والارتباط بالمرأة، وإنما هي فكرة في الحياة وفي التعامل مع المرأة على وجه التحديد، أي إنها طريقة “لمواجهة الأفكار النسوية التي تسعى لاستغلال الرجال”.
ومجتمعات “Red pill” هي عبارة عن حركات تنشط على مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث يحاول الرجال من جنسيات مختلفة تحسين مهاراتهم العاطفية والاجتماعية والاقتصادية، وتُصنف على أنها جزء لا لا يتجزأ من بعض الحركات الذكورية المناهضة للنسوية في العالم.
الحركة المذكورة، بحسب ما جاء في خلاصة الدراسة، تعتمد كثيرا على إطار علم النفس التطوري في مواقفها، وتدّعي أن النساء بطبيعتهن متلاعبات ومهتمّات بأنفسهن، وأن النسوية منحتهن هيمنة اجتماعية على الرجال.
يشرح عبد الإله فرح، عضو المكتب الوطني للجمعية المغربية لعلم الاجتماع، أن المرجعية الفكرية لحركة “Red pill”، تقوم على تغيير نظرة الفرد إلى العالم، لكي يواجه بها الأفكار النسوية التي لا تنسجم مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والبيولوجية للجنسين، أي إنها “ثقافة متمركزة على الذكورة التقليدية في معاداتها للنساء على الأنترنت”.
يستعرض الباحث جملة من الأفكار المناهضة للنسوية، التي يتم ترويجها في منتديات المجتمع الذكوري على الأنترنت، ومن ذلك أن “الرجال هم من يتحكمون في معظم المجتمعات”، وأن “الرجال هم من قاموا ببناء الحضارات، وأنهم أكثر فئة عبر التاريخ كانت معرضة للتهديدات والمخاطر”.
ومن ثم، يرفض مجتمع “Red pill” على الأنترنت فكرة النسوية “التي تنظر إلى الرجال كما لو أنهم يشتركون جميعا في العقلية والدوافع نفسها، مثل أنهم مدفوعون إلى الشهوة ومفرطون في الجنس وأنهم يستخدمون القسر والعنف والتحرش الجنسي للحفاظ على سلطتهم في المجتمع”.
واستنادا إلى المعطيات الواردة في الدراسة، يتضح أن المجتمعات “المتقدمة” ليست مستثناة من الفكر المناهض للنسوية، ففي مجموعة “Red pill Community”، يخاطب الأعضاء النساء بأنهن “تعرضن لغسل الدماغ من طرف النسويات، حيث لا يمكن لأي شخص أن ينكر الدور الذي لعبته الحركات النسائية في تصوير مؤسسة الزواج على أنها عبودية للمرأة بدعوى المساواة بين الجنسين، من خلال تنفير المرأة من الزواج وتشجيعها على ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، الأمر الذي أضر بها، وجعلها رخيصة أمام الرجال”.
ويؤكد الباحث عبد الإله فرح انطلاقا من قراءته للخطابات الرائجة في المجموعة المغربية “Red pill Maroc” على منصة “فيسبوك”، ومجموعة “Red pill Arabic Community”، أنه ليس هناك اختلاف في المنظور الثقافي لمجتمع “Red pill” حول النسوية، ذلك أن الأعضاء يعملون على محاكاة المنظور الثقافي والإيديولوجي نفسه الذي يعزز الاختلاف بين الرجل والمرأة على مستوى الأدوار.
ويشير الباحث إلى أن التجارب السيئة التي يتم نشرها على منصات التواصل الاجتماعي تجعل الرجال يكتسبون المناعة ضد الفكر النسوي، حيث تلعب مجموعات “Red pill” على تعزيز فكرة أن النسوية تهدد مكانة الرجل في المجتمع، وأن امتياز الرجل مهدد من خلال تأنيث المجتمع، مثل زعزعة استقرار سوق العمل، وارتفاع نسبة الطلاق.