أخبار العالم

السريري يناقش “المذهب الإسلامي الجديد”.. دعوة إلى “التجديد” بدل “الضجيج”



نقاش في الداخل الإسلامي حول المذاهب والنجاة والفقه ومستقبل المشهد الديني، دخل على خطه الفقيه المغربي مولود السريري، الذي دعا إلى عدم التفاعل مع دعاوى “مذهبٍ جديد” بـ”الضجيج دون معنى”، بل بالمواكبة، والاجتهاد، والنظر الواقعي، والتواضع المعرفي.

مدير مدرسة “تنكرت” العتيقة بسوس دخل على خط نقاش عزم “إنشاء مذهب جديد” في الإسلام، قائلا في البداية إن هذه “رؤية تحتاج إلى تفسير، ولا يفكها إلا صاحبها فعبارتها مبهمة، واهتمام الناس بمثل هذه المقالة لا وجه ولا موجب له، وينبغي أن يصرف عن هذه الدعوة النظر؛ فتحقق ذلك في الواقع من المستحيلات.”

وتابع قائلا: “المذهب الفقهي تكوُّنه يحصل من مجموعة من الترجيحات التي يأتيها الفقيه المجتهد في مرحلة بناء الأحكام، وتقويم الأدلة، وما يأتي به من أحكام مستنبَطة بعدما ترجح عنده ما بنيت عليه من أدلة، فيجتمع ذلك ويتكَون فيصير ذلك مذهبا فقهيا ينقله الناس عنه أو لا ينقلون.”

وانتقد السريري من اقتصروا على انتقاد الدعوى بـ”إظهار أن ما تكلم فيه (الداعي للمسألة) لن يقع”، فـ”لا يقاوم هذا بالسب والشتم. والأمور أنهيت والدراسات وضعت، وبدأ العمل، فما يجب أن يكون أن توجد مسالك علمية حقيقية، في مقابل الأشياء التي تذكر”، أما “هذا إذا ما وصل إلى أن يؤمن به أهل الحل والعقد فكن على يقين أنه سينزل (…) لقد بني مذهب على حديث واحد هو “وإن جلد ظهرك وأخذ مالك”، وهُجرت من أجله أدلة كثيرة، وجعل مركزا، وصنف الناس به، وسفكت به الدماء”.

لهذا “يجب على أهل الدين والشريعة أن يبنوا معرفة جديدة، قوية متينة، تراعي هذا الحال الذي عليه الإنسانية في هذا العصر، وأن يكون تجديدٌ بحسب ما يقتضيه الواقع؛ فلا يمكن أن يُبقِي الإنسان البيضة في يده وتظل بيضة إلى يوم الدين، وعليه أن يعرف أنه إذا لم ينتقل بعد هذا الحال، سيقع الانتقال إليه، سواء كان محبا أو كارها”.

وفي “زمن تغيّر العقول”، وضح السريري أن مقصوده “إحياء النظر العقلي، والاجتهاد الإسلامي الصحيح، والنظر في المفاسد والمصالح، ودراسة جميع الاحتمالات، والنظر إلى الأشياء بعين الواقعية، لا التناوح والصراخ”؛ لأن “على الناس أن يتواضعوا، فالوضع العالمي الآن يستلزم على الإنسان أن يعرف قدره، ودرجة تأثيره، والحد المسموح له بالكلام فيه؛ وإلا سيكون مغرورا، إذ يظن أن أحدا يلتفت إليه. بل قدِّم ما تريد أن تُقدمه مما يكون إصلاحا، عسى أن يكون في هذا ما يفتح الأبواب”.

وذكر السريري أن “إنشاء مذهب فقهي جديد بجميع المعايير أمر لا يوجد ما يقضي بصوغه وبنائه”، إلا أن “الذي يظهر أنه يؤصَّل له، ويسوَّق لوجوده، وتقام البحوث والدراسات من أجل إيجاده هو مسلك إسلامي جديد، أصحابه يعتبرون ألا بدّ منه، بل هناك من يعتبره حتميا، بمقتضى حاجة الناس في هذا الزمان والإنسان والعلاقات الدولية”.

وزاد: “هذا المسلك يبنى على أسس توسيع دائرة الخلاص والنجاة، حتى يُقضى بأن أي دين من الأديان السماوية إذا تُعُبّد به يحقق النجاة والخلاص، وهو ما غاص قومٌ للبحث عما يستند إليه في الإسلام”، في آية “إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون”.

وأردف: “هناك من بدا له (هذا التصور) في كلام ابن العربي الحاتمي، وابن الرومي، ومقالة أبي الحسن الخرقاني، وما سطره إخوان الصفا، وكثير مما ظاهر كلامهم أنهم يذهبون هذا المذهب، ولو أن نسبتَهُ إليهم فيه نظر؛ فهم لا يرون الخلاصَ في الآخرة إلا بالشعائر الإسلامية، والحرام والواجب عندهم شرط في النجاة، وإن كانت بعض عبارتهم ترشد إلى ما نسب إليهم، ولكن التحقيق والنظر يثبتان أنهم لا يقولون بهذا الرأي”.

“هذا المذهب ابن الليبرالية والديمقراطية”، حقيقة و”ليس محسوبا على الأديان”، حسب السريري، ومن بين ما يستند إليه “التاريخانية الفقهية”، التي تقول إن “جميع الأحكام الشرعية ترتبط بظرف معين، وأربابها يقولون إن هذه الأحكام التي يقال إنها منسوخة ليست منسوخة، بل ترتبط بعلل متى وُجِدت وُجدت الأحكام، ومتى عُدمت العلل والمناطات عدمت هذه الأحكام. ويستأنسون في ذلك بما فعله الخليفة عمر بن الخطاب، وإيقافه سهم المؤلفة قلوبهم في الزكاة، (…) وما فعله ابن حزم حين قال إن ثبات الرجل الواحد للعشرة إنما يتوقف على وجود سببه وهو قلة المسلمين، وما فعله الشيخ محمد الطاهر بن عاشور حين قال إن المتعة ليست منسوخة بل تتعلق بظرف”.

وهكذا “يعاد القول في الأحكام الشرعية على وفق هذا الأصل”، وهو ما “سيؤدي إلى تغيير أحكام كثيرة، وتغيير مسالك في النظر”، لأن النظر إلى النسخ “ليس كما هو معروف عند المسلمين بانتهاء زمان الحكم المنسوخ أو رفعه”.

ومن روافد “المذهب الجديد”: “عقلنة الإسلام، أي أن يؤتى بمسلك المجاز والرمزية في الأمور التي تظهر أنها ليست موافقة للواقع، على ما يتخيلون، فيقال إن جملة من القصص القرآنية ما تورد به من معان دلت الأدلة على أنها ليست حقيقية، ويسمونها بالخرافات مثل الشرفي والخولي، ثم السير على طريقة سبينوزا وغيره في فهمها، وهي دعوى تقع لها الدراسات”.

ومن الروافد أيضا “مراجعة الأخبار والآثار التي يُرى أنها لا توافق الأمور الأصلية في الدين، وهكذا سيردون الأحاديث بـ”اللياقة”؛ فـ”هذا الحديث لا يليق بمنزل النبوة”، وهذا “لا يليق بمنزلة الإسلام العظيم”، أو “لا يليق بمقام الإنسان في الإسلام”، أو “لا يليق لأن العقل لا يقبله”؛ فتسقط الأحاديث تباعا، ويؤدي ذلك إلى ألا يُقبل إلا ما قبله أهل هذا المنهج. ولا يخفى ما في هذا الأمر من الخطورة على الدين؛ فالعقل لا يقصد أخبار الآحاد في الاستنشاق والمضمضة والعبادة، بل الأحاديث التي كثر الكلام بمخالفتها مقام النبوة وعظمة الإسلام ورحمة الله، وكثير من الأمور سترد، ولا يتكلم من يتكلمون من فراغ”.

كما يستند هذا التصور، حسب المتحدث ذاته، على “ادعاء كون الأحكام الإسلامية تأسيسية وليست نهائية، وهذه نظرية تروج بأن الإسلام كان يريد أن يبني الناس على هذه الأحكام، ما يناسبها من حيث أصلها، ثم يسترسلون يبنون عليها لا يتوقفون عندها، كما في تحرير العبيد والمرأة، لنحقق غايات الشرع (…) ويطرحون أسئلة عاطفية: هل تريد أن يوجد شيء أحسن من الإسلام في الأخلاق وكرامة الإنسان؟ لأن جواب المسلم واضح، فيكون الرد بأن السبيل هو التغيير”، إضافة إلى “المبادئ الكونية”، التي “وقع ضغط لتكون أصلا مقبولا”.

وفي ختام مطارحته بمدرسة “تنكرت” التي يديرها بالأطلس الصغير، دعا الفقيه السريري إلى عدم الاقتصار على “الضجيج” في التفاعل مع مثل هذه الآراء لأنه “يُعمل بهذه الأصول، وتُكتب الكتب، وتعقد الندوات. والمسألة بدأت بالأفعال لا بالكلام، وصار هذا معتقدات لبعض الناس، وهم سائرون في بناء هذا الأمر”. أما “من يتألمون لأمور بسيطة، فعليهم أن يعرفوا جذور ما بُنيت عليه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى