اشتباكات السودان: هل يشارك مرتزفة مجموعة فاغنر الروسية في القتال على الأرض؟
- سامي جروان
- بي بي سي – عمان
تحتاج الإجابة على هذا السؤال لفهم أبعاد الصراع على النفوذ داخل السودان، بدءاً من الصراع الداخلي بين الطرفين الرئيسيين انتقالاً للإقليمي والدولي.
فالسودان يحتل المركز الثاني في إنتاج الذهب على مستوى القارة الأفريقية، إذ يبلغ إنتاجه السنوي أكثر من 90 مليون طن وبقيمة تصل لخمسة مليارات دولار، كما عُرف أيضا بسلة غذاء العالم بإجمالي مساحة أراض زراعية تبلغ نحو 216 مليون فدّان، وتتعدد موارده من فضة ونحاس ويورانيوم وثورة حيوانية، كل ذلك بالتوازي مع موقع جيوسياسي يعتبر البوابة للقرن الأفريقي، فإلى أين تقودنا هذه المعلومات؟
صراع على النفوذ
رغم الشراكة الممتدة بين السودان وروسيا منذ الاتحاد السوفييتي، إلا أن للمعادلة الآن عمقا أكبر، ففي الوقت الذي ينمو فيه المعسكر الشرقي بقيادة الصين وروسيا في بقاع متعددة حول العالم، تقول رئيسة تحرير جريدة الأهرام و المتخصصة بالشئون الأفريقية أسماء الحسيني: ” إن هناك حرباً شرسة بين الوجود الروسي والوجود الغربي في دول أفريقية عديدة من بينها السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى وموزمبيق ومالي ودول أخرى، وهذا الصراع الروسي هو صراع على المصالح و النفوذ وعلى الثروة التي تتمتع بها هذه البلدان، إضافة إلى أن سواحل السودان على البحر الأحمر هي محل أطماع جهات عديدة تسعى لأن يكون لها فيها قواعد بحرية، ومن بين هذه الجهات روسيا وتركيا وغيرها من القوى الدولية والإقليمية التي تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في السودان لتنطلق منه وتعزز وجودها في القارة الأفريقية بأسرها والمنطقة العربية أيضاً”.
وتؤكد الباحثة في العلاقات الدولية والأوربية في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو لانا بدفان، هذا الطرح بالإشارة إلى أن “روسيا تعمل على استكمال مشاريعها في السودان، سواء عبر القواعد العسكرية في البحر الأحمر، أو استكمال التدفقات الضخمة من مخازن الأسلحة والمعدات العسكرية إلى مركز نفوذها في تلك المنطقة وخاصة في القارة الأفريقية”.
وتضيف “أن روسيا تسعى للسيطرة على أو حماية ثروات السودان المعدنية وتحديداً اليورانيوم والذهب وموارد الطاقة والإمكانات الزراعية الهائلة عبر تواجدها في السودان”.
هل تشارك مجموعة المرتزقة فاغنر في القتال السوداني-السوداني؟
هذا التمدد والامتداد الذي تسعى له روسيا لا يعني أنها قد تزج بنفسها بتدخل مباشر عبر القتال إلى جانب الأطراف المقتتلة في السودان، بل على العكس تماماً، فإن روسيا تعنى بالحفاظ على الأمن والهدوء في مناطق نفوذها كما تقول بادفان، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حيث أشار إلى ضرورة عقد حوار سياسي يهدف لحماية الشعب السوداني بالمرتبة الأولى، وأن يكون بعيداً عن أي صراع عسكري واستخدام للأسلحة.
وفي الوقت الذي تُتهم فيه مجموعة فاغنر بأنها تتمتع بعلاقات تجارية وعسكرية متنوعة مع السودان، نفت المجموعة أي تورط لها في الصراع الحالي في البلاد، وقال مؤسس المجموعة يفغيني بريغوجين –الذي له صلات وثيقة بالرئيس فلاديمير بوتين – إنه “لم يكن هناك مقاتل واحد من شركة فاغنر العسكرية الخاصة في السودان” منذ أكثر من عامين.
هذا الطرح حظي بتأكيد أكثر من طرف وعلى رأسهم رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي السوداني والقيادي في قوى الحرية والتغيير مصباح أحمد محمد، وقال: “إن الحرب ما زالت بين طرفين سوادنيين ولم يتدخل فيها أي عنصر خارجي، على الأقل مما هو واضح لنا، ولم نر على الأرض أو من خلال الفيديوهات المتداولة والإعلام أن هناك عنصرا أجنبيا في هذه الحرب، وهذه المعلومات تأتي في إطار الدعاية الإعلامية من الطرفين والتي تحاول أن تضعف موقف الطرف الآخر أو تصور أن هناك أطرافا خارجية تتدخل لصالح طرف من الأطراف، هذا ما نعلمه، لكن طبعاً للطرفين امتدادات خارجية وعلاقات دولية لكن لا أعتقد أن هنالك حتى الآن تدخلا مباشرا لصالح أي طرف من الأطراف”.
ولم يدحض أي من الأطراف التي تحدثت لبي بي سي الشراكات والاتفاقيات العسكرية بين روسيا والسودان، إلا أنها اتفقت على استبعاد وجود عناصر جماعة فاغنر على الأرض أو بأي شكل من الأشكال، فتوضح بدفان “يوجد 16 اتفاقية بين روسيا والسودان، هذه الاتفاقيات منحت روسيا قواعد مجانية وأتاحت لها الحرية باستخدام المطارات السودانية لنقل الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية اللازمة للقاعدة والسماح بإرسال عدد محدود من السفن و300 فرد كحد أقصى إلى الميناء، وهو أول مركز بحري لروسيا في أفريقيا، لذلك ممن الممكن أن تتواجد قوات روسية في السودان لكنها ليست “فاغنر” ، كما أن هذه القوات لا تعمل إلا وفق شروط الاتفاقيات والتبادلات بين الحكومتين”.
أما الدكتور صمويل رماني مؤلف كتاب عن أنشطة روسيا في أفريقيا، فيقول إن فاغنر ابتكرت حملات إعلامية لمساعدة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير على البقاء في السلطة، وإن “بريغوجين كان يدعو إلى اتهام المتظاهرين بأنهم مؤيدون لإسرائيل ومعادون للإسلام” كما يضيف رماني، أن فاغنر متنت علاقاتها مع قوات الدعم السريع في عامي 2021 و 2022، رغم أنها دعمت سابقاً عبد الفتاح البرهان الذي يقاتل الآن هذه القوات.
إلا أن هذه المعلومات لم تؤكد من مصادر رسمية.
“ثمانية جيوش”
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن اقتصار المعارك حالياً على طرفين فقط داخل السودان، لا يقلل من الخطر المحدق الذي يتربص بالسودان إذا ما طال أمد الأزمة، فكما توضح الحسيني، “ربما تنجر قوى في الإقليم والعالم إلى تدخلات إذا ما طال أمد الأزمة ولم يتم التوصل لوقف إطلاق نار وحل هذه القضية، ومن الممكن أن تتحول اتهامات الأطراف لبعضها بالاستعانة بأطراف أخرى في الإقليم إلى حقيقة، وتتحول إلى حرب وتنجر إليها أطراف في داخل السودان، لأن هناك ثمانية جيوش من الحركات المسلحة، بعضها انضم الى اتفاقية جوبا للسلام وبعضها لم ينضم حتى الآن، كما أن هناك امتدادات سكانية لكل طرف ويمكن أن يستدعيها في هذا النزاع الذي يراه كل منهم على أنه صراع على الوجود والحياة”.
“شرارة من طرف ثالث”
في خضم الحديث عن الأطراف التي تقف وراء مآل الأوضاع في السودان، يؤكد مصباح أحمد محمد القيادي في قوى الحرية والتغيير، أن المعلومات والتحليلات المتوفرة تشير إلى أن الرئيس المعزول عمر البشير هو من يقف خلف الأزمة، ويوضح ” بالتأكيد أن عمر البشير له دور فيما يجري الآن في السودان وهذا أمر غير مخفي، فقد أعلن منذ شهرين أنه لن يترك العملية السياسية والاتفاق الإطاري يمضيان، وأنه مصمم على إجهاض هذه العملية بأي ثمن، وهو الذي دفع الجانبين بشكل كبير للتحشيد، وكلّ المعلومات تقول إن شرارة هذه الحرب انطلقت من طرف ثالث، هو الذي قام بإطلاق الطلقة الأولى وبالتالي اندلع هذا القتال بعد ذلك، وهناك تحليلات تشير إلى أن عناصر النظام السابق هي من تدير المعارك الداخلية بشكل ما، لكي تمنع أي نوع من التقارب بين الطرفين توقف الحرب واللجوء إلى منصة الحوار، حتى أن آلتهم الإعلامية على منصات التواصل الاجتماعي وعلى كافة المنصات الإعلامية تدعو إلى عدم وقف الحرب وضرورة سحق قوات الدعم السريع”.
جثث في الشوارع غيرت الأولويات
وبعد مخاض عسير مر على السودانيين للإطاحة بعمر البشير وما وصفوه لاحقاً بانقلاب رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان على الثورة، تبدّلت أولوياتهم اليوم من الحديث عن الاتفاق الإطاري والانتقال للحكم المدني، إلى صرخة من أجل وقف هذه الحرب، فكما يصف محمد المشهد ” للأسف عدلت هذه الحرب الأولويات، وأصبح السودانيون يطالبون بوقف القتال وإن لم يحدث ذلك، فعلى الأقل أن تعقد الأطراف هدنة طويلة تسمح للمواطنين التزود بحاجياتهم، وتزويد المستشفيات بالمستلزمات الضرورية، ودفن الموتى في الشوارع، هناك عدد كبير من الموتى في الشوارع، ولا أحد يستطيع أن يرفع جثة واحدة”.