هل تعمق زيارة الرئيس الجزائري لفرنسا الأزمة الدبلوماسية بين الرباط وباريس؟
لا تلوح في الأفق أية مؤشرات على قرب استعادة العلاقات المغربية الفرنسية حيويتها المفقودة خلال السنوات الأخيرة؛ وذلك بسبب وتيرة التقارب المستمر بين فرنسا إيمانويل ماكرون والنظام الجزائري الذي تعكسه الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، والتي يرتقب أن تؤكدها الزيارة المعلن عنها للرئيس عبد المجيد تبون للإيليزيه في يونيو المقبل.
ويأتي الإعلان عن الزيارة في ظل الجمود الذي يخيم منذ أشهر طويلة على العلاقات بين الرباط وباريس، بسبب الخلافات المستحكمة فيها وتباين وجهات النظر في عدد من الملفات والقضايا، فضلا عن ضلوع فرنسا في استهداف المغرب وعاكسة مصالحه، والذي انكشف مع وقوفها وراء قرار البرلمان الأوروبي الأخير المعادي للمملكة.
الأزمة أعمق
سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، سجل أن الأزمة المستفحلة بين المغرب وفرنسا لا تحتاج إلى مثل هذه الزيارات حتى تتعمق، لأنها واضحة ومستحكمة منذ مدة.
وقال الصديقي، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إن زيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا “كانت مقررة منذ شهور، وتأجلت بسبب سوء الفهم العابر الذي حدث في العلاقة بين البلدين”.
وأضاف الخبير في العلاقات الدولية بأن هذه الزيارة “ليست حدثا منفصلا، بل تندرج في استراتيجية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أخذ على عاتقه أن يحقق مصالحة تاريخية مع الجزائر”، معتبرا أن الأزمة الأوكرانية وحاجة أوروبا إلى الغاز والنفط الجزائريين “زادت من أهمية الجزائر في السياسة الخارجية الفرنسية”.
وشدد الصديقي على أنه لا يتصور أن يكون للمغرب “أي رد على هذه الزيارة، لأن الأمر يتعلق بالعلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا. كما أن العلاقات المغربية الفرنسية توجد حاليا في وضعية أزمة أكبر من تؤثر فيها هذه الزيارة”.
من جهته، اعتبر نبيل الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، أن الزيارة المعلنة للرئيس الجزائري إلى فرنسا تأتي في سياق يطبعه “التذبذب الحاد في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي عرفت مدا وجزرا وتوترات عديدة في السنوات الأخيرة”.
رهانات الطرفين
أوضح الأندلوسي، في حديث مع هسبريس، أن الخارجية الجزائرية عبرت، في أكتوبر 2021، عن “استيائها البالغ من تصريحات الرئيس الفرنسي، الذي تساءل عن وجود “شيء اسمه أمة جزائرية قبل استعمارها من طرف فرنسا”، وكذا تصريحه المنتقد للرئيس الجزائري الذي اعتبره رهينة لدى القادة العسكريين”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن هذه الأحداث أعقبتها توترات عديدة بين البلدين؛ مثل أزمة التأشيرات، وقضية تهريب المعارضة والناشطة الجزائرية أميرة بوراوي، ليظل “المد والجزر تيمة تطبع طبيعة العلاقات بين باريس والجزائر؛ وهو ما يحاول كلا البلدين تجاوزه لحماية مصالحهما المشتركة، ما دامت المصالح هي المرجح في العلاقات الدولية والعلاقات الثنائية بين الدول.
وبخصوص الرهانات، سجل رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أن النظام الجزائري يراهن على هذه الزيارة من أجل “تعزيز الثقة فيه داخليا، خاصة إذا اعتذرت رسميا فرنسا عن جرائمها في حق الشعب الجزائري خلال الفترة الاستعمارية؛ وهو الملف الذي بات مطروحا بقوة في السنوات الأخيرة في الجزائر”.
ملف الصحراء المغربية
لفت الأندلوسي إلى أن ملف الصحراء المغربية سيكون بدون شك إحدى النقاط التي سيثيرها الرئيس الجزائري مع نظيره الفرنسي خلال هذه الزيارة، على اعتبار أن هذا الملف “بات من أولويات الخارجية الجزائرية ولا يفوت القادة الجزائريون أية فرصة للهجوم على المملكة المغربية من خلال المس والتحريض ضد الوحدة الترابية للمغرب”.
واستدرك المتحدث ذاته قائلا: “إلا أن هذه الأجندة تبقى أجندة خاصة بالطرف الجزائري؛ في حين أن ما يهم الجانب الفرنسي، في هذه المرحلة، هو تعزيز وجود المؤسسات الاقتصادية الفرنسية بالجزائر، وحماية موقعها ومركزها كأول مستثمر أجنبي بالجزائر”.
وزاد الأندلوسي موضحا “لا يمكن لفرنسا مجاراة الجزائريين إلا في حدود ما يحقق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية”، معتبرا أنه برغم التوتر المغربي الفرنسي، فإن “كلا البلدين يحرصان على عدم تعميق التوتر بينهما؛ وبالتالي فتأثير هذه الزيارة على العلاقات المغربية الفرنسية سيبقى محدودا، رغم المحاولات والضغوطات الجزائرية في هذا السياق”، وفق تعبيره.