حذف تاريخ الحكام المسلمين من الكتب الدراسية يثير الجدل في الهند
- زويا متين
- بي بي سي نيوز- دلهي
أدى حذف فصل عن الحكام المغول من الكتب المدرسية الهندية إلى إعادة إشعال الجدل في الهند حول كيفية تدريس التاريخ للأطفال في المدارس.
واندلع الجدل إثر نشر مجموعة جديدة من الكتب المدرسية من قبل المجلس الوطني للبحوث التربوية والتدريب (إن سي إي آر تي)، وهي منظمة مستقلة تابعة لوزارة التعليم الفيدرالية.
ويشرف المجلس الوطني للبحوث التربوية والتدريب في الهند على تغييرات المناهج ومحتوى الكتب المدرسية للأطفال الذين يخضعون للامتحانات في إطار المجلس المركزي للتعليم الذي تديره الحكومة.
وتشمل التغييرات الأخرى إزالة بعض الإشارات إلى اغتيال المهاتما غاندي، وأعمال الشغب عام 2002 في ولاية غوجارات .
وقال المجلس الوطني للبحوث التربوية والتدريب في الهند إن التغييرات، التي تم الإعلان عنها لأول مرة العام الماضي كجزء من عملية “ترشيد” المنهج، لن تؤثر على المعرفة ولكنها ستقلل بدلا من ذلك العبء على الأطفال بعد جائحة كوفيد 19.
لكن النقاد يجادلون بأن تلك الإغفالات مقلقة، وستؤثر على فهم الطلاب لبلدهم.
وهم قلقون بشكل خاص من إزالة الإشارات إلى سلالة المغول، ويتهمون المجلس الوطني للبحوث التربوية والتدريب في الهند بمحو أجزاء من التاريخ كانت الجماعات اليمينية الهندوسية تشن حملات ضدها لسنوات.
وينظر العديد من النشطاء والمؤرخين اليمينيين إلى المغول، الذين حكموا مساحات شاسعة من شبه القارة الهندية لقرون، على أنهم غزاة أجانب نهبوا الأراضي الهندية، وأفسدوا الحضارة الهندوسية في البلاد.
ويقول البروفيسور هلال أحمد، الذي يعمل في مجال الإسلام السياسي ويقوم بالتدريس في مركز دراسات تنمية المجتمعات: “في وقت يشهد انقساما، يتعلم الطلاب عن تاريخ أمتنا بإزالة ما هو غير مريح أو يُنظر إليه على أنه غير مريح، نحن بذلك لا نشجعهم على التفكير بشكل نقدي”.
ويجادل مؤيدو التعديلات بأنها ضرورية لأن بعض المقررات الدراسية في كتب التاريخ المدرسية أعطت أهمية كبيرة للحكام المسلمين.
ويقول ماخان لال، المؤرخ والأكاديمي الذي كتب العديد من الفصول للكتب المدرسية: “كانت فترة حكم المغول من أكثر الفترات دموية في التاريخ الهندي”.
ويتساءل قائلا: “ألا يمكننا أن نكتب المزيد عن إمبراطورية فيجاي ناجار أو تشولا أو الباندا بدلا من ذلك؟”، مشيرا إلى السلالات الهندوسية التي حكمت في جنوب الهند.
ومع ذلك، يقول آخرون إن ذلك يعكس إفراطا في التبسيط واختزالا لماضي الهند التوفيقي.
ويقول المؤرخ والمؤلف مانو بيلاي: “ما يحدث الآن هو إشارة ضمنية بأن المغول كانوا عنيفين بشكل غريب، بينما كان العنف في الواقع جزءا من الملكية كمؤسسة في كل مكان، وما يحدث الآن يلمح أيضا إلى أن المغول كانوا يرون أنفسهم في الأساس كمسلمين مصممين على تعذيب الهندوس”.
ويضيف قائلا: “إن السجل، مع ذلك، أكثر تعقيدا”.
ووصف دينيش سكلاني، مدير المجلس الوطني للبحوث التربوية والتدريب في الهند، الجدل حول تعديل المنهج بأنه “غير ضروري”، وأوضح أن تاريخ المغول لا يزال يُدرس لأطفال المدارس. وقد تواصلت بي بي سي مع سكلاني للتعليق، لكنه قال إنه لم يعد متاحا للاستفسارات الإعلامية.
ومسألة التنقيحات على مناهج التاريخ ليست جديدة في الهند، فقد تمت مراجعة الكتب المدرسية في الماضي في ظل حكومات مختلفة.
ويقول البروفيسور هلال أحمد، الذي يعمل في مجال الإسلام السياسي، إن الباحثين دعوا إلى مراجعة الكتب المدرسية أيضا لتحقيق التوازن الصحيح بين المحتوى ونتائج التعليم. وقال:”إن التاريخ لا ينتهي أبدا، وهو غير مكتمل ولن يتم التوصل إلى حلول بشأنه إلى الأبد، ولهذا السبب يجب أن يتم مراجعة كتب التاريخ المدرسية باستمرار”.
لكنه يضيف أن ذلك لا ينبغي أن يأتي على حساب السعي الأكبر للمعرفة.
ويضيف أحمد قائلا إن عمليات الحذف الحالية تطرح قضايا تربوية أكبر تتعلق بحجب المعلومات دون أي إحساس بالتوترات والتناقضات في ذلك، لأن التاريخ لا يتعلق بالحكام فقط، وهو يتجاوز السلالات والمعارك ليشمل الإدارة والحكم وثقافة العصر، فهو إطار يفهم المجتمع من خلاله نفسه.
ويضيف البروفيسور أحمد قائلا: “لذلك عندما تزيل شيئا ما بشكل تعسفي، فإنك تجرده من سياقه، مما يجعله مشوها”.
وكان الفصل الذي تمت إزالته في الكتب المدرسية للصف 12، والذي يتناول الممالك المغولية.
ويتتبع النص المكون من 30 صفحة أعمال الممالك المغولية. وكان قد تم توثيق معظم ذلك في حسابات تاريخية مطولة بتكليف من أباطرة المغول. ويمضي الفصل لتوضيح كيف قدمت “سجلات المغول” هذه “الإمبراطورية على أنها تضم العديد من الجماعات العرقية والدينية المختلفة مثل الهندوس والجاين والزرادشتيين والمسلمين”.
ويقول ماخان لال، المؤرخ والأكاديمي الذي كتب العديد من الفصول للكتب المدرسية إن إزالة ذلك الفصل كان مبررا لأنه “ليس له أي قيمة تاريخية، وفي النهاية، إنه مجرد فصل واحد، وليس الأمر كما لو أن تاريخ المغول كله قد تم حذفه بالكامل من المناهج الدراسية”.
ويضيف قائلا إن الكتب المدرسية الهندية قللت منذ فترة طويلة من وحشية حكم المغول، وأعطتهم أهمية غير متناسبة مقارنة بملوك الهندوس. ويقول إن هذه التشوهات المزعومة أدت إلى عقود من العار حول الثقافة والقيم الهندية القديمة.
ومضى يقول: “لكن الهنود الآن يعيدون حساب ماضيهم القديم مرة أخرى”.
من جانبه، يقول المؤرخ والمؤلف مانو بيلاي إن التاريخ ليس بالضرورة نوعا من المنافسة، والافتراضات العاطفية مثل هذه ينتهي بها الأمر إلى اكتساب مكانة في السياسة والوعي العام.
وتابع قائلا: “يوجد هذا الضغط على التاريخ الهندوسي للهند، حيث يتم تجميع الشخصيات الهندوسية معا عن قصد في جهة ، والمغول والأشرار في جهة أخرى.”
ويضيف بيلاي قائلا إن الوحشية لم تكن صفة حصرية للمغول، فالملوك بشكل عام كانوا أشخاصا عنيفين، وكان العنف نتيجة طبيعية للسلطة في القرن التاسع عشر.
ومضى بيلاي قائلا إن المغول يهيمنون أيضا على الخيال الشعبي بسبب حداثة عهدهم بالإضافة إلى الأهمية الثقافية التي تمتعوا بها حتى بعد فترة حكمهم، ولوضع ذلك في نصابه فقد تمت الإطاحة بآخر إمبراطور مغولي قبل حوالي عقد من ولادة غاندي، وكان القوميون الهنود الأوائل مثل داداباي ناوروجي قد ترعرعوا بينما كان الإمبراطور لا يزال موجودا.
وتابع قائلا إنه لذلك نعرف الكثير عن المغول، وذلك ببساطة لأنهم كانوا أكثر حداثة، وسجلات زمنهم موجودة بكثرة مقارنة، على سبيل المثال، مع سلالة تشولا التي تفككت بحلول القرن الثالث عشر.
ويضيف بيلاي: “ربما تكون هذه التعقيدات هي التي يجب أن يطالعها الطلاب، بدلا من محو المقاطع بالكامل من الكتب المدرسية”.
ومن جانبه، يقول أحمد إنه من المفارقات أن يكرر البعض وجهة نظر استعمارية للتاريخ الهندي حيث يُنظر إلى العصور القديمة على أنها ماض هندوسي والعصور الوسطى على أنها مسلمة. ومضى يقول: “إنك تقلل من ثقافات وأديان الهند المتداخلة إلى مجرد جدل، في حين أن الماضي في الواقع أكثر تعقيدا بكثير”.
ويضيف قائلا إنه إذا تمت إزالة أجزاء رئيسية من التاريخ بشكل تعسفي، فسيكون هناك “فجوات” في التعليم الرسمي، مما سيؤدي إلى تعليم من نوع مختلف تماما”.