سان جوردي بكاتالونيا.. احتفالية الورود والكتب
تحكي الأسطورة أن تنينًا كان يلتهم كل يوم شخصا من أبناء إقليم كاتالونيا ووقف الناس عاجزين عن دفع الأذى حتى جاء الدور على ابنة حاكم البلاد، الذي توجعت روحه وهو يرمق تحول جسد ابنته إلى لقمة في فم التنين؛ فاستنجد بالقديس سان جوردي، الذي تسلح بشجاعته وانبرى لمصارعة التنين حتى تمكن منه وطعنه. ومن دم التنين نبتت وردة حمراء حملها سان جوردي إلى ابنة الحاكم، ومن رحم الأسطورة ولد عيد سان جوردي بإقليم كاتالونيا حيث يهدي الرجال للنساء الورود الحمراء، فيما تهدي النساء للرجال الكتب؛ فسان جوردي عيد الورود والكتب، هو عيد الرومانسية والفكر.
في الساعات الأولى لصباح يوم 23 أبريل من كل سنة، يخرج الناس إلى الشوارع ويتدفقون كالموج في شارع “لا رامبلا”، الشريان الرئيسي لبرشلونة ويتفرقون على الساحات العامة للمدينة التي تتحول إلى كرنفال متنقل للورود والكتب، فقلما تجد امرأة أو فتاة تخترق أزقة برشلونة دون أن تحمل بين أناملها أو في حقيبة يدها وردة حمراء وعلى محياها بسمة يرسمها سان جوردي قديس برشلونة وشفيعها، فيما قد يحمل الرجل كتابا أو وردة.
خلال عيد سان جوردي تتزين المؤسسات الحكومية المحلية بباقات كبيرة من الورود الحمراء؛ مثل مقر الحكومة المحلية (لاجينراليتات) وبلدية المدينة وكاسا باتيلو، ذاك المعمار الغرائبي والخلاب الذي شيده عبقري الهندسة الكاتالانية أنطوني غاودي بطلب من أحد أثرياء المدينة، فباتت محجا لكل من وطئت أقدامهم أرض كاتالونيا، لاسيما خلال عيد سان جوردي.
تسير الحشود في شارع لارامبلا ببطء، وتشرئب أعناق البعض محاولين سرقة النظر إلى بعض العناوين المعروضة على طاولات أصحاب المكتبات الذين باتوا يرون في سان جوردي اليوم منقذا لتجارة الكتب من البوار مثلما كان منقذا بالأمس لمدينتهم من التنين الأسطوري، فهم يحققون خلال يوم واحد مبيعات تضاهي ثلث ما يبيعونه طيلة فصول السنة.
تاريخ عيد سان جوردي هو تلخيص لتاريخ كاتالونيا، فالعيد بدأ كاحتفالية محتشمة مع نهاية القرن التاسع عشر، ثم توقف لسنوات خلال الحرب الأهلية الإسبانية 1936-1939، وخلال ديكتاتورية الجنرال فرانكو لم يكن بالإمكان بيع الكتب باللغة الكاتالانية حيث كانت سيطرة اللغة الإسبانية مطلقة، قبل أن يعود نشر وعرض عناوين مختلفة لكتب باللغة الكاتالانية، فسان جوردي هو عيد الاحتفاء بالكتاب الكاتالاني أيضا.
ويحدث أن تصادف طوابير طويلة من الكاتالانيين تصل إلى المئات ينتظرون دورهم للحصول على توقيع من مؤلف الكتاب الذي اقتنوه، فسان جوردي هو مناسبة للقاء المباشر بين الأدباء والكتاب والشعراء مع عموم القراء، فيما يعتلي بعض الشعراء المنصات المنصوبة في الشوارع لقراءة مقاطع شعرية من دواوينهم وسط تصفيقات محبيهم.
لا يقتصر الاحتفال بسان جوردي على مدينة برشلونة، بل يشمل جميع بلداتها المجاورة التي يتحول فيها الاحتفال إلى كرنفال للرقص والغناء والقيام بألعاب أكروباتيية حيث يشيد أبناء البلدات المتناثرة على حدود برشلونة أبراجا بشرية بأجسادهم يشارك فيها الكبير والصغير بشكل مثير للدهشة.
في بوتقة سان جوردي تنصهر الرومانسية بالشعر والفكر، وينبجس ظاهرا اعتزاز الكاتالانيين بلغتهم وثقافتهم وتاريخهم، هي لحظة ينسون فيها كل شيء وتتحول فيها الشوارع إلى مصنع ضخم لإنتاج الفرحة.