أعيش بقلب مزروع يعشق الحضور في “عالم الموضة”

في سن الخامسة من عمره غادر هشام بنمبارك مدينة الحاجب المغربية وهو في حضن أمه في اتجاه الشمال، باحثين عن حياة كريمة بعد وفاة الأب سنة 1983. لم يكن هشام يعلم أن أول ليلة لهما في إيطاليا سوف يقضيانها في محطة القطار في مدينة فلورانسا، ولم يكن يعلم أن قلبه سيتوقف وسيرفض أن يكمل معه مشوار الحياة ليضطر وهو في ريعان شبابه لزراعة قلب آخر ليحقق به أحلامه وأحلام أمه ويصبح بعد ثلاثين سنة واحدا من أشهر مصممي الأزياء والأحذية بإيطاليا والعالم ويتحول محترفه إلى محج لرؤساء دول و أمراء ومشاهير العالم كأوباما ومايك تايسون وإبراهيموفيتش وغيرهم كثير.
هسبريس التقت هشام بنمبارك في ورشته الفنية بفلورانسا الإيطالية، وأجرته معه هذا الحوار الذي فتح فيه قلبه ليحكي عن قصته التي اختلط فيها الألم بالأمل.
ما هي قصة هشام بنمبارك “ابن القلب”؟ وكيف دخلت عالم تصميم الأزياء؟
في البداية، أود أن أشكركم على زيارتي هنا في فلورانسا. في الحقيقة، قصتي هي شبيهة بفيلم مطول؛ فبعد ستة أشهر من ولادتي بمدينة الحاجب المغربية، توفي والدي رحمه الله 1983. ونظرا لتغير ظروفنا اضطرت أمي، التي أعتبرها واحدة من أقوى الأمهات عزيمة، إلى الخروج للعمل، وبعدها التفكير في الهجرة إلى أوروبا حتى تتمكن من إعالتي وتربيتي وتضمن لي الحياة في ظروف جيدة. غادرنا طنجة أنا وأمي في اتجاه الجزيرة الخضراء الإسبانية.. وبعدها استقللنا القطار صوب إيطاليا؛ وبالضبط مدينة فلورانسا حيث نحن الآن. وشاءت الأقدار أن نبيت أول ليلة لنا في فلورانسا في محطة القطار. وشاءت الأقدار كذلك أنه، وبعد أربعين سنة وبالضبط سنة 2019، سوف يتم اختياري كرجل السنة بمدينة فلورانسا. وقد اصطحبت أمي إلى حفل الاستقبال وهي من تسلمت الجائزة، لأنها هي من يستحقها؛ لأنني بفضلها وبفضل ما قامت به من أجلي وصلت إلى ما أنا عليه الآن.. أذكر أنها اشتغلت في مجالات كثيرة، وقاست كثيرا من أجل أن أدرس وأعيش حياة كريمة. وأنا الحمد لله احاول ما أمكن أن أعوضها ولو قليلا مما قدمته لي. أومن بالله وبما كتبه علينا؛ فقد اشتغلت في صغري في مجالات عديدة، كمجال البناء وكبائع للحلويات وفي ورشة السيارة وكعامل صباغ..
كنت وأنا صغير معروفا بملابسي الملونة وذات التصاميم المختلفة التي لم تكن تشبه ملابس أصدقائي، حيث كانوا ينادونني بـ”الستاليست” المصمم والفنان.. وهكذا، بدأت قصتي مع وضع تصاميم الملابس والأحذية، وشيئا فشيئا احترفت مجال التصميم وأنشأت مشروعي الخاص.. والحمد لله عرف نجاحا كبيرا، هنا في إيطاليا وفي العالم.
هل يمكن أن تحكي لنا واقعة كرة القدم وزراعة القلب؟
ككل الأطفال، كنت مولعا بكرة القدم، وكنت أحلم أن أصير يوما ما لاعبا مشهورا وأعوض أمي عما قاسته بسببي. كنت ألعب في فرقة صغيرة بفلورانسا؛ لكن مساء أحد الأيام وأنا ألعب مباراة لكرة القدم سقطت أرضا وتوقف قلبي عن الخفقان، وتم حملي إلى المستشفى وتم إنقاذي بفضل الصعق الكهربائي وغيره من التقنيات المستعجلة؛ إلا أن قلبي كانت له كلمة أخرى فلم يكن يقوى على الاستمرار معي، فدخلت قسم العناية المركزة لمدة سبعة أشهر في انتظار متبرع بقلب بديل. وفعلا، ذلك ما وقع؛ فقد قاموا بزراعة قلب جديد لي، وتمكنت من البقاء حيا إلى اليوم.
لا أخفيك أنها كانت أياما صعبة تعلمت فيها الكثير من الأمور عن الحياة. وأذكر أن أمي عاشت شهور محنتي كأنها سنوات طويلة من العذاب اليومي؛ لكن إرادة الله كانت أقوى من ظروفي، وفرجه كان حاضرا معي، وهو من أرسل لي القلب الذي أحيا به اليوم.. وأنا شخص مؤمن ومسلم، وأحمد الله على كل شيء. وبسبب هذه الحادثة تحول اسمي إلى ابن القلب ‘’ benheart”، وبهذا الاسم أصبحت أنا وتصاميمي معروفين عالميا.
أيّ دور للفن في حياة هشام بنمبارك؟
الفن لعب دورا كبيرا في حياتي، وهو أحد أهم أسباب ما أنا فيه اليوم. لقد قاسيت كثيرا أنا وأمي؛ لكن الحمد الله اليوم تغيرت الأمور، وأنا اليوم أشرف أمي وعائلتي وبلدي المغرب وديني الإسلام؛ فحينما يسألونني عن ماهية « “benheart أقول إنني مغربي مسلم وأنا جد مفتخر بهويتي وببلدي وبديني وعائلتي .
أنت تقول دائما إن الإيمان لعب دورا كبيرا في حياتك.. كيف ذلك؟
صدقني، الإيمان هو كل شيء، حينما كنت صغيرا تعلمت أن رضا الوالدين هو أساس كل نجاح.. وتعلمت كذلك أن رضا الوالدين من رضا الله. وأنا اتبعت توجيهات أمي، والحمد لله كل شيء تحقق كما كنت أحلم به.
هل تزور المغرب؟
جئت إلى فلورانسا في سن الخامسة، ولو شئت لاختلطت في هذا المجتمع وذابت هويتي؛ لكنني فضلت أن أحافظ على لغتي العربية الدارجة، رغم أنني أتحدث الإيطالية والفرنسية والانجليزية.. إنني أفضل التحدث مع أبناء بلدي بالعربية الدارجة لأنني مغربي وسأبقى مغربيا. المغرب بالنسبة لي هو أحسن بلد في العالم، أعتز بمغربيتي كثيرا وقد زرته مؤخرا وأخدت ابنتي معي لتلمس رجلاها تربة بلدها المغرب وتتشبث به، ووصيتي لأمي أنني إذا حدث وتوفيت أن تأخذني إلى المغرب لأنه بلدنا، فيه كانت البداية وفيه يجب أن تكون النهاية. فواجبنا أن نصون ذلك الاسم وتلك الأرض؛ لأنها مصدر كل الخير الذي نعيش فيه اليوم، نحمد الله على بلدنا المغرب.
هل هناك حضور للمغرب في تصاميمك؟
المغرب موجود في كل رسوماتي وتصاميمي للأزياء والأحذية والحقائب، أستلهم دائما من الزخرف المغربي ومن الموروث الثقافي والفني المغربي الكثير من التصاميم.. وأنا جد معجب بما وصلت إليه الصناعة التقليدية المغربية، خصوصا في مجال المنتوجات الجلدية التي قلما تجد لها مثيلا في بلدان أخرى.. وعلى الرغم من استعانتهم بتقنيات الليزر فإنهم لا يصلون إلى الجمالية التي تصنعها أنامل الصانع المغربي. وكما تعلم، المغرب يزخر بفنانين كبار في هذا المجال يلزمهم فقط استثمار ذلك للوصول إلى العالمية.
تزورك دائما شخصيات عالمية في محترفك.. احك لنا عنهم وعن بعض الطرائف التي وقعت لك معهم؟
نعم لقد زارني في محترفي الأمير مولاي هشام بن عبد الله، والرئيس الأمريكي باراك أوباما، والملاكم مايك تايسون، واللاعب زلاتان إبراهيموفيتش، وعدد كبير من الفنانين العالميين، وأمراء الدول العربية، ومشاهير الرياضة والسينما العالمية.. لا أخفيك سرا أن ما أهم ما أثارني في زيارتهم لي هو تواضعهم الكبير عكس ما نتوقعه عنهم؛ فمثلا لقائي مع أوباما اكتشفت تواضعه الكبير، وفي حديثنا قلت له: “أنا معجب بـ”حسين باراك” الأب والإنسان المتواضع.. أما أوباما الرئيس السياسي فأنا لا أعرف إن كان جيدا أم لا”.. حقيقة لقد أدهشني تواضعه..
والأمر نفسه بالنسبة للملاكم العالمي مايك تايسون الذي بادرته بنكتة مفادها أنه في حالة لم يؤد ثمن السترة الجلدية فإنني سأبرحه ضربا؛ مما دفعه إلى الضحك ودفع الثمن فورا. حقيقة، كانت لحظات مليئة بالحب والتجاوب والتواضع.
هل من رسالة إلى الشباب الصاعد الراغب في دخول هذا المجال؟
رسالتي إلى الشباب هي كالتالي: أولا، الإيمان بأن رضا الوالدين هو أساس أي نجاح. ثانيا، ضرورة التشبث بتحقيق أحلامهم وعدم الخوف منها وتركها في دواخلهم حتى تموت؛ بل يجب إخراجها إلى الوجود والنضال من أجل تحقيقها بأي ثمن، وتجنب التحول إلى ضحية للمحبطين والسلبيين.