أخبار العالم

فقر وتجويع وتجنيد.. ناشط صحراوي يسرد ظروف طفولته في مخيمات تندوف


ظروف قاسية تلك التي عاشتها وما زالت ساكنة مخيمات تندوف منذ بداية النزاع المفتعل بالصحراء المغربية إلى حدود اليوم، فقر وتجويع واحتجاز وتعذيب تمارسه جبهة “البوليساريو” تحت رعاية الجزائر في حق سكان هذه المنطقة التي وجدت نفسها تحت الإكراه أداة في أيدي العسكر الجزائري لتمرير تصورات وأفكار جاهزة لا تمت إلى الواقع بأية صلة.

هذا الواقع المرير والظروف اللاإنسانية التي يعيشها سكان المخيمات لما يزيد عن أربعة عقود والذي نقلته العديد من الشهادات الحية لمجموعة من الهاربين من جحيم الرابوني، بعد تعرضهم لمختلف أنواع التعذيب والاضطهاد بمجرد إعلان معارضتهم للسياسة التي تنهجها قيادة جبهة “البوليساريو” بمباركة من الجزائر.

وقصد الوقوف على تفاصيل هذه الظروف أجرت جريدة هسبريس الإلكترونية حوارا مع مربيه أحمد محمود، الناشط الصحراوي الفار من مخيمات “البوليساريو” والقاطن حاليا بموريتانيا، باعتباره واحدا من الأصوات المعارضة التي تعرضت لمختلف أنواع التعذيب والتنكيل بعد مسار نضالي ضد قيادة “البوليساريو”.

من هو مربيه أحمد محمود؟

أنا مربيه أحمد محمود مزداد بمخيمات تندوف نهاية سبعينيات القرن الماضي من أب يتحدر من إقليم أوسرد بالصحراء المغربية، ونشأت في ظروف قاسية عنوانها الفقر والمجاعة؛ وهي الحالة الصعبة ذاتها التي مازالت مستمرة إلى حدود اليوم، وتعيشها ساكنة المخيمات.

والدي كان يشتغل عسكريا وجدي كان منذ أيام المستعمر الإسباني من بين شيوخ وعلماء الدين بأوسرد، وكانا رفقة العديد من المغاربة ضحية لعصابة “البوليساريو” لسنوات طويلة بعد إيهامهم بالكذب والخداع في مدن مغربية عديدة بتواطؤ مع الجزائر وليبيا بقيادة بومدين والقدافي.

أما والدتي فكانت تعاني الأمرين كجميع النساء اللواتي كن يفضلن الحرب على حياة المخيمات المتسمة بالفقر والحاجة.. فقد عشنا ظروفا قاسية لا يمكن وصفها نهائيا، لأن مخيمات تندوف من أصعب الأمكنة التي يمكن أن يعيش بها الحيوان فما بالك الإنسان.

كيف عشت طفولتك بالمخيمات؟

ما زلت أتذكر طفولتي عندما كانت لدي بذلة واحدة توزعها علينا المدرسة مرة في السنة، وهي عبارة عن سروال وقميص باليين مع قدميين حافيين في ظل انعدام أي شيء يمكن انتعاله، حيث نعاني شتاء من البرد القارس الذي لا يمكن وصف ما يطالنا بسببه من عذاب. أما فصل الصيف فنحس وكأننا نسير على الجمر من شدة حرارة الرمال والجو التي تصل 50 درجة.

تعلمت المرحلة الأولى بالمخيمات وبعد بلوغي 11 سنة تم إرسالي إلى الجزائر حيث درست سنتين. وبعدها، نقلت إلى ليبيا لإكمال تعليمي غصبا عني رفقة زملائي مخافة العقوبات التي تطال أمهاتنا في حالة رفضنا، والتي تكون عبارة عن أعمال البناء أو صنع الحصير لمؤسسات عصابة الرابوني أو غيرها من الأعمال الشاقة التي تطال أمهاتنا لساعات طويلة تمتد من مطلع الشمس إلى ساعات متأخرة من الليل كأنهن أسيرات دون الاكتراث لحالهن سواء كن حوامل أو مرضعات.

أما بالنسبة للرجال في المخيمات فيتم توجيههم غصبا إلى الحرب؛ في حين يتم إبعاد الأطفال الصغار عن أمهاتهم إلى الجزائر لشهور طويلة تحت مبرر الدراسة دون أن يتمكنوا من العيش تحت كنف عائلاتهم الذين هم في حاجة إليهم في تلك الفترة العمرية الحساسة وبعدها مباشرة يتم إخضاعهم للتجنيد.

هل يتم تجنيد أطفال المخيمات؟

نعم وأنا من بين ضحاياه، فقد تم تجنيدي وأنا ما زلت طفلا لا يتجاوز عمره 15 سنة، بعدما تم إخباري رفقة باقي الأطفال الذين تم إخضاعهم قسرا للتجنيد أننا ذاهبون للمشاركة في التداريب العسكرية قصد التطوع في تحرير البلد.

وما زلت أتذكر كيف أوهمونا بشعارات رنانة وكاذبة على اعتبار أننا نحن هم رجالات المستقبل وعماد الوطن وتحريره والسبيل لطرد الغاصب والمحتل وغيرها من الأكاذيب. وأتذكر أيضا كيف قاموا بتسمية فوجنا من الأطفال المجندين بالمتطوعين رغم أننا ما زلنا صبية ولا نعرف معنى التطوع، علما أنه لا مجال لرفض المشاركة في التجنيد لأن الرفض والامتناع يأتي بعده مباشرة الإرغام والإجبار.

أخضعونا للتدريب في تندوف لمدة ثلاثة أشهر على حمل السلاح والقفز وكافة التدريبات العسكرية رغم أننا ما زلنا أطفالا تتراوح أعمارنا بين 12 و15 سنة، وبعدها تم الذهاب بنا إلى بالجزائر حيث كانت المحطة التي كانت تولى فيها العسكر الجزائري مهمة التجنيد والتدريب والشحن ضد الجيش المغربي بكونه عدونا اللدود ويجب علينا القضاء عليه. وهنا اكتشفنا ونحن ما زلنا أطفالا أن العسكر الجزائري هو كبير عصابة “البوليساريو” الذي يعلمها السحر.

فما زلت أتذكر مسؤولا عسكريا جزائريا برتبة مساعد أول يلقبونه بـ”عمي علي”، وكيف كان يقول لي إنني قناص ماهر حينما كان يأمرني بالتصويب على الهدف وإصابته في الرأس والقلب، كان يقول لي بالحرف وهو يقصد مجسما للتدريب: “هذاك المغربي خصك تخبطو فالراس والقلب”. وبعد نجاحي في التصويب، يصفق لي وكأنني حققت نجاحا استثنائيا يدعو إلى التفاخر أمام زملائي من الأطفال المجندين الذين يسري عليه نفس الشيء.

ماذا بعد مرحلة التجنيد؟

بعد الانتهاء من التجنيد بالجزائر، تم نقلي رفقة الأطفال المجندين إلى تفاريتي، وبالضبط نحو الناحية الثانية مشاة ميكانيكية. وهناك وجدنا العديد ممن سبقونا إلى ساحة الحرب كضحايا للشعارات الكاذبة التي تسوقها عصابة “البوليساريو” بدعم من جنرالات الجزائر.

بتفاريتي اكتشفنا أن غالبية جنود “البوليساريو” الذين وجدناهم هناك ليس لديهم فهم صحيح للقضية ومجبرين على السكوت على كل شيء، خصوصا الطرف الجزائري والدور الكبير الذي يلعبه في إذكاء نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.

هل يتم تجنيد أبناء قيادة جبهة “البوليساريو”؟

لا، نهائيا؛ فقد كان معي، وأنا أدرس في ليبيا، الابن الأكبر للرئيس السابق لـ”البوليساريو” محمد عبد العزيز واسمه الولي، وكان يتعرض للضرب من طرف بعض الزملاء، كان يسكن معي في البيت نفسه، كان أيضا والداه يرسلان إليه أموالا طائلة لم أحلم بها قط لأن حالتي العائلية كانت ضعيفة جدا، أبي كان عسكريا ووالدتي عاطلة.

وبعد الانتهاء من الدراسة في ليبيا، تم إرسالنا نحن إلى التجنيد وفي مقابل ذلك تم توجيهه هو نحو دولة روسيا لإتمام دراسته لأنه ابن الرئيس.. وما يسري عليه يشمل أيضا كافة أبناء العصابة في ضمان تعليم جيد ومعيشة أفضل ومكانة أكبر ومستقبل أرحب. أما نحن فليس هناك من يساعدنا أو يمكننا مما كان متاحا لأبناء قيادة العصابة. وفي مقابل ذلك، كان مستقبلنا الوحيد هو الموت في سبيل خدمة أجندات عصابة النظام الجزائري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى