آخر خبر

ترك الخصومة – المفهوم والإجراء


إن ترك الدعوى معناه التنازل عنها والتخلي عن الإجراءات التي تمت فيها، وهو يختلف عن التنازل عن الحق المدعى به. فالتنازل عن الحق يحول دون تجديد الدعوى بعد ذلك، بينما ترك الدعوى لا يمنع من تجديد الدعوى مرة أخرى.

ويلجأ المدعي إلى ترك الدعوى إذا تبين له أنه قد رفعها بطريقة خاطئة، كأن يرفعها إلى محكمة غير مختصة، أو يرفعها للمطالبة بدين لم يحل أجل الوفاء به بعد، أو إذا فطن إلى أنه قد تعجل في رفع الدعوى قبل جمع أدلته وإعدادها بشكل جيد وخشي إذا سار في الدعوى أن يفشل في إثباتها.

والحديث عن ترك الخصومة موضوع مهم جدا، لكونه يرتبط بإجراءات التخاصم بين أطراف النزاع. واتصالا بما سبق فإن للمدعي إبداء طلب الترك خلال فترة حجز الدعوى للحكم، ويعتبر طلب الترك في هذه الحالة إسقاطا من المدعي لحقه في الاستمرار في إجراءات الخصومة مانعا من إصدار حكم في موضوعها، بحيث إن صدر الحكم كان باطلا لصدوره في خصومة منقضية!.

أما إذا تبين أن المدعى عليه قدّم دفوعه قبل إثبات المدعي تركه للخصومة، إما بمذكرة يقدمها للدائرة ناظرة الموضوع أو يطلبها شفهيا للقاضي ناظر الموضوع وتثبت في ضبط الجلسة، فإن المحكمة في هذه الحالة لا تلتفت إلى ذلك الطلب وتسير في الدعوى ما لم يوافق المدعى عليه على ترك الخصومة.

وهذا ما نصت عليه المادة الـ92 من نظام المرافعات الشرعية، بأنه يجوز للمدعي ترك الخصومة بتبليغ يوجهه إلى خصمه، أو تقرير منه لدى الكاتب المختص في المحكمة، أو بيان صريح في مذكرة موقع عليها منه، أو من وكيله، مع اطلاع خصمه عليها، أو بإبداء الطلب شفهيا في الجلسة وإثباته في ضبطها، ولا يكون الترك بعد إبداء المدعى عليه دفوعه إلا بقبوله أي بقبول المدعى عليه.

وفي سياق حديثنا عن ترك الخصومة، فإنا نبين مسألة ترك الدعوى كليا أو جزئيا، أي أن للمدعي التنازل عن الخصومة جملة وقد يكون جزئيا، يترك المدعي فيه قسما مما يدعيه، كما لو رفع شخص دعوى بجملة طلبات وقرر أن يقصر دعواه على بعضها ويتنازل مؤقتا عن بعضها الآخر، أو كما لو رفع دعوى ضد جملة أشخاص ثم تنازل عن اختصام بعضهم، ويجوز كذلك التنازل عن إجراء من إجراءات الخصومة، كطلب سماع شاهد في الدعوى أو التمسك بورقة من أوراقها أو دفع من الدفوع التي أبداها.

وإذا ترك المدعي الأصيل الخصومة، فإنها تنقضي بالنسبة للمتدخل الانضمامي، لأنه ليس للمتدخل في هذه الحالة طلبات خاصة، لذلك يترتب على ترك الخصومة سقوط التدخل.

أما إذا كان التدخل اختصاميا، بمعنى أن المتدخل يطالب بحقه الخاص في مواجهة المدعى عليه، لا تتأثر طلباته بترك المدعي لدعواه، حتى لو قبل المدعى عليه هذا الترك.

كما لو رفع المدعي دعوى بصحة ونفاذ عقد بيع بضاعة، مطالبا إتمام البيع وتسليم قيمة تلك البضاعة للمدعى عليه، وتدخل ثالث في الدعوى طالبا عدم صحة البيع، حيث إن المدعى عليه باعه عليه البضاعة ولديه بينة على ذلك، فطلب المدعي ترك دعواه، ففي هذه الحالة تثبت المحكمة الترك وتستمر بنظر الدعوى حتى الفصل في طلب المتدخل، لأن له حقا خاصا في تدخله بالخصومة.

ختاما.. فإن الأصل أن المدعي يستطيع أن يتنازل عن دعواه متى شاء، لأن الدعوى ملك صاحبها، فيجوز له ذلك في أية حالة تكون عليها الدعوى، غير أن المنظم السعودي في تنظيم إجراءات المرافعات الشرعية، لم يجعل للمدعي مطلق الحرية في ترك الدعوى، وذلك لما قد يصيب المدعى عليه من ضرر نتيجة ذلك، فقد يكون من مصلحة المدعى عليه حسم موضوع النزاع بغير إبطاء، حتى يطمئن نهائيا على مصير النزاع الموجه إليه، ولا يبقى مهددا بدعوى جديدة قد ترفع عليه من المدعي في المستقبل.

@expert_55



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى