مسرحية “ما تبقى لكم” .. مأساة فلسطينية تتحدث بلسان المغاربة في البيضاء

هل كان للمأساة أن تختلف؟ أو هل كان للأقدار أن تكون أرحم بعائلة فلسطينية لو تحدثت الدارجة المغربية؟ تجيب مسرحية “ما تبقى لكم”، لفرقة مسرح “أفروديت”، بالنفي القاطع.
المسرحية المغربية، التي افتتحت عروض الدورة الـ13 من مهرجان المسرح العربي الذي تستضيفه الدار البيضاء هذه السنة، كان انزياحها الوحيد عن فضاء رواية “ما تبقى لكم” لغسان كنفاني هو اللغة، وبقيت الفضاءات بين غزة والأردن والصحراء وأسماء الشخصيات والأصل الفلسطيني ذاتَها.
وفي فضاء ثابت، بيت موحش، تتوالى الأحداث… أخوة، إحساس بغياب الأم، تعب يومي، خيانة كبرى وخيانة صغرى، ألم مقدّر، وبحث عن الكرامة.
غسان كنفاني، الذي تتوسط ملامحه في ديكور المسرحية ملامح لينين وماركس إعلانا لالتزامه السياسي، يطل بين الفينة والأخرى مؤطرا المشهد العام: ليست مجرد مسرحية استقيت من رواية، هي قضية، مقاومة، سعي إلى الكرامةِ، واستعمال لكل الأسلحة من أجل استعادة الحق، الذي تفقد الحياة دونَه معناها.
لكن، وبما أن الفلسطينيين شعب، فلا بد أن تتفرق المشارب والمقاصد والصدق والجلَد… وكما يحكي ذلك كنفاني، وكما تصور المسرحية، هناك المقاومون، وهناك من دونهم؛ قسم القدر مصائر هذا الشعب بين صادق مقاوم ينكر حياته، وبين من هو دونه.
زكريا نموذج للصنف الثاني، إنسان يمثل جانب الخسّة، يهوي أمام المحتل عارضا أن يسلّمه المقاوم، يسرق النظرات والابتسامات، يسرق في جنح الليل ما ليس له من أخت رفيقه، لا يعتد بتضحية زوجته التي رافقت وأنجبت وربت الأبناء.
كان على الأخت أن تصير أما، ألا تكون زوجة من ترضاه، أن تظلّ حبيسة كابوس، أن تحاول سد فراغ دون جدوى، أن تستمر في الاستماع لعقارب ساعة تذكر بالوقت المسروق والساعات والأيام والسنوات والحياة المهدورة. ما ذنب الأخت التي سلبتها الأقدار القدرة على أن تكون أختا وكفى؟
ما ذنب الأخ حتى لا يكون شابا، له أم وأخت وأب وأصدقاء لا يكتشف الصادق منهم ومن دونه؟ ما ذنب الأخ حتى يرى الخيانة، وتتكرر الشواهد أمام عينه بأنْ ليس من الضرورة أن ينصَف الصادق المضحي المقاوم.
يهيم الأخ في الصحراء، تبدو الأم ذكرى بعيدة ممتنعة من زمن آخر، تشد الأخت على الكوفية أداة تطهير للسّيّء فينا حتى لا نستسلم له، حتى لا نطبع مع الخيانة.
هو جو من المقاومة، جو من المأساة، مأساة شعب لم يخيّر فيما وجد عليه أرضه، في الظلم الذي تسرّب إليها، وإلى حياته الصغيرة، إلى أمله، فهُجّر، وفرقت الأسر، واجتثت الأشجار، واختص كلّ لنفسه دورا أكبر من أن يحمَّلَه إنسان.
لا نرى إلا الجانب المشرق من البطولة، لكن مآسي من عاشوها دائما أكبر، قد نرى النتيجة، الرمز، لكن لا نرى كثيرا ممن أدوا الثمن. المأساة دائما أكبر؛ لكن لهذا نكبر التضحية. لهذا، ينبغي أن يقدِّرُ الإنسان البطولة، ويسعى إلى تحقيقها، فيوما ما هي كل ما يتبقى له، لنا، من فكرة، من حق، من أمل.
يشار إلى أن مسرحية “ما تبقى لكم”، التي أنجزت بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، اشتغل على دراماتورجيا الخاصة بها الفنان عبد المجيد الهواس الذي أنجز أيضا الإخراج المسرحي.