آخر خبر

أفريقيا بين مفترق الطرق | صحيفة مكة


تغيرات كثيرة شهدها القرن الماضي، ويبدو أن هناك تحولات جذرية سيشهدها القرن الحالي، هكذا قالت هيلين تومسون في كتابها الأحدث «الفوضى»، أوقات عصيبة في القرن 21، وقد تحدثنا في مقال سابق عن آسيا كبوصلة للمستقبل العالمي نظرا لما تشهده من مشاريع تنموية في شرق القارة وغربها، وحديثنا اليوم عن القارة السمراء وما يتردد عن نقلات نوعية ستشهدها القارة نظرا للتنافس الاستثماري العالمي لهذه القارة بين الأقطاب الثلاثة الولايات المتحدة وروسيا والصين.

هذه النظرة المتفائلة تجاه مستقبل آسيا وأفريقيا يعيدنا إلى وجهة نظر تتكرر هذه الأيام حول دوران تنموي للعالم يقابله نظرة تشاؤمية لمستقبل القارة العجوز لا سيما بعد الحرب الأوكرانية الروسية ومآلاتها الصعبة على الأوروبيين، وهذه النظرة وإن كانت بعيدة عن الواقع إلا أننا نشهد تحولا نوعيا لصالح القارة السمراء مثلا والتي ظلت قرونا وهي تقبع خارج نطاق التاريخ الإنساني كونها تعرضت لحملات استعمارية عنيفة استنفذت مقومات دولها وكانت سوقا رائجا للعنصرية وتجارة الرقيق وبعيدة عن مضامين الحياة والنظم الاقتصادية الحديثة.

وقبل شهر تقريبا، عقد الرئيس الأمريكي جو بايدن اجتماعا مع رؤساء وقادة الدول الأفريقية، وقدم منظومة من المساعدات الأمريكية بالإضافة إلى منحة نقدية تقدر بـ 55 مليار دولار، ولا شك أن هذه الخطوة الأمريكية تأتي كردة فعل لمشروع الحزام والطريق الصيني الذي استبشر به الأفارقة كونه يستهدف البنى التحتية لدولهم رغم ما جلبه لهم من تراكم الديون، وبالتالي تأتي هذه الخطوة الأمريكية لئلا تستفرد الصين بهذه القارة البكر وذات الثروات الطبيعية الهائلة.

أما الصين ذات السبق الزمني في علاقتها التجارية مع دول القارة الأفريقية فتأتي كونها اليوم أهم شريك تجاري واستراتيجي مع القارة السمراء، فقد بلغت التجارة الثنائية حوالي 187 مليار دولار في عام 2021م، كما أن بكين لا تهتم بالشأن السياسي فحسب، فهي تريد توطيد العلاقة استراتيجيا مع أفريقيا؛ لذا هي تهتم بالشأن الثقافي أيضا، فلديها حرص عجيب على نشر معاهد الكونفوشيوس في معظم القارة الأفريقية، وهي معاهد متخصصة في نشر وتعليم اللغة والثقافة الصينية.

الجدير بالذكر أن روسيا أيضا لديها اهتمام قوي بأفريقيا، لا سيما بعد إعلان فرنسا عن مغادرتها مالي، ولذا تسعى موسكو إلى سياسة ملء الفراغ الفرنسي في غرب القارة السمراء، وقد انعكس التأثير الروسي على دول القارة الأفريقية كون العديد منها اتخذت طريق الحياد في الحرب الروسية الأوكرانية، ولعل هذا ما يفسر أيضا الاهتمام الأمريكي الأخير بدول القارة الأفريقية.

وفي الختام، تمتلك القارة السمراء ثروات هائلة من الموارد الطبيعية، ولكن هناك ثروة أخرى تلتفت لها الدول الكبرى وهي الثروة البشرية، فعدد سكان أفريقيا خلال الأعوام المقبلة سيقدر بربع سكان الكوكب الأرضي، وهذا يمثل سوقا استهلاكيا ضخما للشركات العالمية، فأفريقيا اليوم بين مختلف الطرق، فهل ستنتظرها نهضة تنموية مقبلة أم أنها ستكون مسرحا للصراع بين الأقطاب الثلاثة الكبار؟

[email protected]



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى