أخبار العالم

مسار “اتحاد كتاب المغرب” ناجح .. والمساطر القانونية ليست افتراضية



أزمة معلنة يعيشها “اتحاد كتاب المغرب” تستمر أحدث محطاتها بعد إعلان قيادته المتبقية عقد مؤتمر استثنائي بمدينة العيون، وهو ما أعقب فشل عدد من مبادرات المصالحة.

وفي وقت أعلن فيه رئيس اتحاد كتاب المغرب، عبد الرحيم العلام، عقد المؤتمر الاستثنائي في نهاية شهر يناير الجاري، توالت آراء تعتبر أن الخطوة لن تحل إشكالات الاتحاد ولن تنبثق عنها قيادة يمكنها الخروج من الأزمة، في حين رفض أعضاء في القيادة الحالية ما أسموه “غيابا للديمقراطية” وعدم استشارتهم في هذه المحطة، ولوّح آخرون بتأسيس هيئة أخرى لأن “الاتّحاد بكُتّابه لا باسمه”.

في الحوار التالي، يقدم رئيس اتحاد كتاب المغرب، عبد الرحيم العلام، آراءه حول “مؤتمر العيون”، ويفسر عودته بعد تعميمه “قرار تنحيه” مطلع سنة 2019، كما يتحدث عن واقع ومستقبل “الاتحاد”.

ما دواعي تنظيم المؤتمر الوطني الاستثنائي التاسع عشر لاتحاد كتاب المغرب؟

تجدر الإشارة إلى أن القوانين المنظمة لاتحاد كتاب المغرب تنص على إمكانية الدعوة إلى عقد مؤتمر استثنائي للاتحاد، ويأتي تنظيم مؤتمرنا الوطني الاستثنائي المقبل تنفيذا لقرار المؤتمر الوطني العام الذي انعقد بمدينة طنجة في شهر يونيو 2018. وتنزيلا لهذا القرار، تولت اللجنة التحضيرية، المكونة من المكتب التنفيذي واللجنة المنتدبة من مؤتمر طنجة، وتم توثيق أسمائها من لدن مفوض قضائي محلف تابع أشغال المؤتمر، الإشراف على تنظيم المؤتمر الوطني الاستثنائي المقبل، حيث باشرت اللجنة عقد اجتماعاتها بالرباط، رغم إكراهات الوضع الوبائي الذي مرت به بلادنا، والعالم من حولنا، في فترة سابقة.

في هذا السياق، عملت اللجنة التحضيرية، في اجتماعها الأخير بتاريخ 19 مارس 2022 بأحد فنادق الرباط، على مناقشة مختلف مشاريع الأوراق والمقررات التي ستعرض على أنظار المؤتمر المقبل وتحيينها، يتعلق الأمر بمشروع التصور الثقافي، ومشروع حاشية: نحو سياسة ثقافية متقدمة، ومشروع البيان العام، وذلك تبعا لما عرفته الساحتان الثقافية والسياسية، في المغرب وخارجه، من مستجدات ومتغيرات وتطورات، ثم صادقت اللجنة التحضيرية، خلال الاجتماع نفسه، على مشاريع الأوراق المعروضة عليها، واعتمدتها مشاريع ستعرض على أنظار المؤتمر المقبل.

كما أقرت اللجنة التحضيرية، في الاجتماع نفسه، عقد المؤتمر الوطني الاستثنائي المقبل لاتحاد كتاب المغرب بالعيون، وإذا تعذر تنظيمه بهذه المدينة، لأي اعتبار، فسيتم عقده بمدينة الرباط، بوصفها خيارا ثانيا مطروحا، كما تم الأخذ بعين الاعتبار إمكانية عقد المؤتمر في توقيت يصادف عطلة مدرسية، حتى يتمكن معظم المؤتمرين من حضوره والمشاركة فيه. وإثر ذلك، تفرعت عن اللجنة التحضيرية “لجينة للوجستيك”، فباشرت اتصالاتها وزياراتها، حسب جاهزية أعضائها، لبعض المؤسسات الدستورية والجهات الحكومية والترابية، طلبا لدعم مؤتمرنا المقبل، وهو ما كان أيضا موضوع بلاغ للجنة التحضيرية، عن اجتماعها الأخير وعن القرارات المتخذة، صادر بتاريخ 20 مارس 2022، نشر بعديد من المنابر الإعلامية الوطنية، الورقية والإلكترونية.

وبعد سلسلة من الاتصالات والزيارات للجهات الداعمة لمؤتمرنا المقبل، تم حصرها، إلى حد الآن، في جهتين اثنتين مشكورتين، هما وزارة الشباب والثقافة والتواصل وولاية جهة العيون الساقية الحمراء.

لماذا اختيار مدينة العيون مكانا لعقد المؤتمر المقبل لاتحاد كتاب المغرب؟

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن قوانين الاتحاد لا تلزم المكتب التنفيذي ولا اللجنة التحضيرية لمؤتمرات اتحاد كتاب المغرب بتنظيم مؤتمرات الاتحاد في مدينة بعينها دون غيرها، وهو ما جعل الاتحاد، في فترات سابقة، يعقد مؤتمراته في مدن مغربية مختلفة، كالرباط والدار البيضاء والمحمدية وطنجة…

أما بخصوص المؤتمر الوطني الاستثنائي التاسع عشر، فقد قررت اللجنة التحضيرية (المكتب التنفيذي واللجنة المنتدبة من مؤتمر طنجة)، في اجتماعها الأخير بالرباط بتاريخ 19 مارس 2022، وبإجماع كافة الحاضرين، أن يعقد المؤتمر المقبل بمدينة العيون، حاضرة أقاليمنا الصحراوية الجنوبية، كخيار أول، لاعتبارات ودوافع مختلفة وعديدة، نذكر منها ما لمدينة العيون من أهمية تاريخية واستراتيجية واعتبارية ورمزية، عدا أن الاتحاد لم يسبق له أن نظم أي مؤتمر له بأقاليمنا الصحراوية، لا الجنوبية ولا الشرقية؛ فهذه هي المرة الأولى التي تقرر فيها عقد مؤتمر للاتحاد بإحدى حواضر أقاليمنا الصحراوية الجنوبية، ممثلة في مدينة العيون، عدا ما لتنظيم مؤتمرنا بهذه المدينة، من أهمية اعتبارية بالغة وقيمة قصوى، بالنظر للدينامية المتصاعدة التي تشهدها هذه المدينة العامرة على المستويين التنموي والبنيوي، بشكل يجعلنا جميعا نسعد بأن يعقد مؤتمرنا بها، وبلادنا منخرطة بقوة ونجاح في رهان الجهوية، لتحظى العيون اليوم بشرف أن يُعقد فيها مؤتمر تاريخي من هذا الحجم، بمثل ما تعرف المدينة باحتضانها لمؤتمرات كبرى، ولمجموعة من المراكز الديبلوماسية، ولعديد من الفعاليات والتظاهرات الوطنية والدولية، لتكون روح الانفتاح السمة الأبرز في موقع المدينة الاستراتيجي، وفي أفقها الإنساني والرمزي المفتوح على أفريقيا، بل على العالم بأسره، وغيرها من المبررات التي جعلتنا في اللجنة التحضيرية نختار مدينة العيون لتكون، بكل محبة ومسؤولية وافتخار، بمثابة خيار ملازِم لمنظمتنا ولمشاريعها الكبرى في المجال الثقافي. وقبل هذا وذاك، أليست مدينة العيون واحدة من أجمل مدن مغربنا الحبيب التي تستحق حتما أن يعقد الاتحاد بين أحضانها، وغيره من المنظمات، مؤتمراتنا، بما عودتنا عليه من ترحيب وكرم؟

فضلا عن دوافع أخرى جوهرية، حيث جاء اختيارنا لمدينة العيون لاستضافة مؤتمرنا المقبل انسجاما وتجسيدا لشعار المؤتمر الذي حددناه في “جبهة ثقافية لنصرة قضية الصحراء المغربية”، والذي ارتأينا أن مدينة العيون تشكل بدورها فضاء مناسبا للمصادقة على مشروع الأرضية التأسيسية لهذه الجبهة، والإعلان عنها من مدينة العيون وبمناسبة المؤتمر المقبل، فهي الجبهة التي سبق للمكتب التنفيذي للاتحاد أن أعد أرضيتها بناء على خلاصة لقاءات وحوارات تفاعلية نظمها في وقت سابق، وشارك فيها فاعلون ثقافيون وفنيون وإعلاميون ونشطاء جمعويون مغاربة، من داخل الوطن ومن مغاربة العالم.

عدا أن “نداء العيون الثالث” (نداء الكتاب والمثقفين المغاربة إلى العالم، حول قضية صحرائنا المغربية)، اخترنا إطلاقه بمناسبة المؤتمر من مدينة العيون، آخذين بعين الاعتبار هنا أن أول فرع للاتحاد أسسناه بأقاليمنا الصحراوية الجنوبية، سنة 2014، كان هو “فرع مدينة العيون”، وقد شهدت لحظة التأسيس تلك حضور ما يناهز أربعين كاتبا عضوا في اتحاد كتاب المغرب من مختلف ربوع المملكة، كما عرفت تلك اللحظة التاريخية إطلاقنا لـ”نداء العيون الأول حول الثقافة والتنمية”، تلاه “نداء العيون الثاني حول الارتقاء بالإبداع في الصحراء”، في مناسبة أخرى، وغيرها من الدوافع التي جعلت اختيارنا الجماعي يقع على حاضرة أقاليمنا الجنوبية العزيزة، مدينة العيون، هذه المرة، لاستضافة مؤتمرنا المقبل، ولاحتضان هواجس مغربنا الثقافي وتطلعاته ورهاناته…

من بين الانتقادات المقدمة، كون المؤتمر الاستثنائي لا يتطلب ثلاثة أيام، وأن الذهاب إلى الأقاليم الجنوبية ينبغي أن يكون تتويجا لمسار ناجح لا يكون صداه مثل مؤتمر طنجة، كما يطرح سؤال: لماذا استُبْعِدَت الرباط الأقرب إلى مختلف أعضاء الاتحاد؟

بالعكس، هما يومان فقط، أخذا بعين الاعتبار يوم الذهاب إلى العيون ويوم العودة، وهي المدة نفسها التي جرت العادة أن تستغرقها مدد عقد المؤتمرات السابقة للاتحاد، علما بأن يومين لا يكفيان لعقد مؤتمر كبير من حجم مؤتمر وطني لاتحاد كتاب المغرب، ولأن موضوع الدعم دائما يبقى محدودا، فإننا نكتفي بأقل فترة ممكنة، بل أحيانا، واستغلالا للوقت الضيق، فإن أشغال مؤتمراتنا تمتد حتى الصباح.

أما وأن مؤتمرنا المقبل يبقى استثنائيا في كل شيء، فإن عقده على مدى يومين فقط، قد لا يكفي، بالنظر لكون المؤتمر يعقد لأول مرة، كما سبقت الإشارة، في أقاليمنا الصحراوية الجنوبية، بما يكتسيه ذلك من أهمية بالغة لدى المؤتمرات والمؤتمرين، فضلا عن طبيعة البرنامج الموازي المسطر، بما فيه الإعلان عن تأسيس “جبهة وطنية لنصرة قضية الصحراء المغربية”، وإطلاق “نداء الكتاب والمثقفين المغاربة إلى العالم، حول قضيتنا الوطنية الأولى”. عدا أن المؤتمر المقبل سيحتفي بصدور عدد جديد من مجلة اتحاد كتاب المغرب “آفاق”، عن “الثقافة الحسانية”، لينضاف إلى عدد سابق عن “الحكم الذاتي” وآخر عن “ثقافة الصحراء”، أصدرناهما بمناسبة تنظيم ندوتين وطنيتين بالعيون، بمثل ما يشمل البرنامج فقرات أخرى، سيتم الإعلان عنها في وقتها، وهو ما يجعل منه مؤتمرا استثنائيا بالفعل، وبرنامجا طموحا ونوعيا، يليق بأن تحتضنه حاضرة العيون، وقد لا تكفيه مدة يومين كما هو مقرر.

أما عن مسار الاتحاد، المواكب لمؤتمرنا المقبل، فيبدو مسارا ناجحا ومشرفا، ويكفينا فخرا أن مؤتمرنا يصادف الإعلان عن جاهزية المقر الجديد لاتحاد كتاب المغرب (المركب الثقافي والرياضي لاتحاد كتاب المغرب “دار الفكر”)، الذي ننتظر تدشينه قريبا، فهو المقر الذي تم تشييده بتعليمات ملكية سامية ومشكورة لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بمدينة الرباط، بناء على ملتمس تشرف المكتب التنفيذي للاتحاد برفعه إلى جلالة الملك. ألا يعتبر هذا الإنجاز التاريخي مسارا مفرحا ومشرفا لمؤتمرنا وللثقافة المغربية، ويستحق أن نعلن عنه ونحتفي به في مدينة العيون؟ فمن حق الثقافة المغربية والمبدعين المغاربة أن يحتفوا جميعا بحاضرة صحرائنا العيون، وأن يجعلوا منها مدينة حاضنة لاستحقاقاتنا…

ثم ألا يشكل الإعلان، على سبيل المثال، عن تأسيس “جبهة ثقافية لنصرة قضية الصحراء المغربية”، الذي اتخذناه شعارا لمؤتمرنا، بدوره، تتويجا لمسار ناجح لاتحادنا، بما هي جبهة سيتم الإعلان عن تأسيسها بمناسبة مؤتمرنا المقبل من مدينة العيون، فضلا عما أصدره الاتحاد من بيانات ومواقف عن المكتسبات الجديدة لقضيتنا الوطنية الأولى، وغيرها من المواقف التي اتخذها الاتحاد وعبر عنها في بياناته المنشورة حول عديد من القضايا الوطنية والعربية والإفريقية والدولية…

وفي مستوى آخر، فإن اللجنة التحضيرية للمؤتمر لم تستبعد من تفكيرها ومن مقترحاتها وخياراتها مدينة الرباط، بل اقترحتها كخيار ثان ليعقد فيها مؤتمرنا المقبل متى لم يتأت لنا ذلك في مدينة العيون، وهذا وارد ومنصوص عليه في بلاغ اللجنة التحضيرية الصادر بتاريخ 20 مارس 2022، وهو دليل قاطع على أن كل القرارات المتعلقة بالتحضير للمؤتمر المقبل يتم اتخاذها والتداول في شأنها داخل الأجهزة الشرعية لاتحاد كتاب المغرب، وفقا لمقتضيات القانون الأساسي للاتحاد، ولقرارات آخر مؤتمر. وعموما، فإننا في الاتحاد نعتبر كل مدننا وقرانا وصحارينا تستحق أن تستضيف مؤتمراتنا وهواجسنا بمثل استضافتها لأنشطتنا وبرامجنا الثقافية، حيث إننا في الاتحاد لا نشتغل وفق منطق المركز والهامش، أو القرب والبعد. وبهذا المعنى، فكل المدن المغربية جديرة بأن تحتضن استحقاقاتنا، حسب السياقات والخيارات والرهانات التي تفرضها المرحلة.

لذا، فموضوع القرب والبعد يبقى بدوره مسألة نسبية جدا، فالقرب أو البعد من ماذا؟ فإذا كان الأمر يطرح على مستوى المسافة الجغرافية، فإن مدينة العيون، بالنسبة لكثيرين، تبقى أقرب زمنيا من مدينة الرباط، لكون التنقل إلى العيون سيتم عبر الطائرة، وفي توقيت محدد، خلافا للتنقل من مدن أخرى إلى الرباط بواسطة السيارة أو القطار أو غيرهما… عدا أن أعضاء اتحاد كتاب المغرب يتوزعون على كل جهات المملكة وأقاليمها، وليسوا متكتلين في الرباط أو في جهة بعينها، وهو ما يجعل مسألة القرب من الرباط تبقى بدورها نسبية وغير مبررة. وعموما، فإن جميع أقاليم مملكتنا تبقى أقاليم ترابية عزيزة، يسعد بها وطننا العزيز، ونسعد نحن بزيارتها وتنظيم أنشطتنا فيها بمثل ما تسعد هي بأبنائها من الكتاب والمبدعين والفنانين من طنجة إلى الكويرة.

من بين ما يُنتقَد إعلانكم استقالتكم من رئاسة الاتحاد قبل أربع سنوات ثم العودة إلى الرئاسة وكأن الاستقالة لم تقدم، لماذا تم هذا؟

أولا، لتصحيح بعض المغالطات ذات الصلة بهذا الموضوع، أشير إلى أنه لم يحصل أن تقدمت شخصيا باستقالتي من رئاسة اتحاد كتاب المغرب، فكون المؤتمر الثامن عشر، المنظم بالرباط، قد وضع فيّ ثقته، ومنحني هذا الشرف، واختارني رئيسا لهذه المنظمة التاريخية العتيدة، فيستحيل أن أرد على هذا الشرف بتقديم استقالتي من مسؤولية تاريخية يتمناها ويسعد بها كل عضو في الاتحاد… لهذا، فما نشر في صفحتي على فيسبوك لم يكن أبدا استقالة، بل كان مجرد تمرين ذاتي سميته “تنحيا”، وهو اصطلاح غير منصوص عليه وغير متداول بتاتا في قوانين الاتحاد، ثم هل يعقل أن الإجراءات والمساطر القانونية المنظمة للهيئات والمنظمات والأحزاب، وغيرها، تدبرها القنوات الافتراضية، مثل فيسبوك أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعي…

أما الاستقالة بالمعنى القانوني المتعارف عليه، فهي المنصوص عليها وعلى مسطرتها في القوانين المنظمة للاتحاد، حيث تستلزم أن يوجه العضو في المكتب التنفيذي استقالته مكتوبة وموقعة من طرفه إلى المكتب التنفيذي، الذي يقوم بالنظر فيها بالموافقة عليها أو برفضها، وفي حال موافقته، يعرضها بدوره على المجلس الإداري للاتحاد لينظر فيها، وفي حال موافقته عليها، يقوم المكتب التنفيذي بإخبار السلطات المحلية بهذا الإجراء، لتكون بدورها على بينة من أي تعديل في الوضعية الإدارية والقانونية للمكتب المسير أو غيره من هيئات الاتحاد.

وهذه الإجراءات جميعها لم تحصل مطلقا حتى تكتمل شروط الاستقالة من عدمها؛ إذ لم يحصل أن وجهت شخصيا أية استقالة لا للمكتب التنفيذي ولا لغيره حتى يمكن الحديث عن هذا الموضوع. وللإشارة، فهناك من ذهب بعيدا في هذا الباب، وتقدم بدعوى لدى محكمة الرباط، ساعيا بذلك إلى استصدار حكم قضائي ينفي عني صفة رئيس اتحاد كتاب المغرب ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، غير أن القضاء المغربي حسم في هذا الموضوع بشكل قطعي، من خلال حكم قضائي استند فيه إلى قوانين الاتحاد، مؤكدا بذلك صفتي رئيسا لاتحاد كتاب المغرب ورئيسا للجنة التحضيرية إلى حين تنظيم المؤتمر المقبل…

ألا ترون أن واقع “اتحاد كتاب المغرب” يكتفي بالاستناد إلى صيته التاريخي والقيام بمبادرات للرعاية الصحية للكُتّاب دون الإسهام بشكل جوهري في الحركة الثقافية بالمغرب؟ وألا ترون أنه قد طغت في الأخبار حوله مشاكل المؤتمرات والقيادة بدل الإسهام في إغناء وتأطير النقاش العمومي؟

إن مسألة الذاكرة وحمايتها وصونها وتوظيف جوانبها المشرقة، والعمل على تجاوز أعطابها مسألة أساسية لدى كل الشعوب والمنظمات، وبالتالي من حق الأجيال الحالية أن تفخر بتضحيات الأجيال السابقة وبإسهاماتها، وهذا فيه وفاء لخصوصيات ثقافتنا الوطنية المتجذرة عبر الأزمنة.

ووفق هذا المنظور، فمن حق الأجيال الحالية للاتحاد أن تستند إلى صيت الاتحاد التاريخي الثقافي – حتى لا أقول الحزبي – فهذا ليس عيبا، لأن مسار الاتحاد هو مسار تقاطعات وامتدادات، وليس مسار قطائع، ومن التقاطعات والامتدادات يستمد الاتحاد قوته وصموده واستمراريته، دون أن ننسى أننا في الاتحاد مازلنا نشتغل بمنطق التطوع، ما يجعل عملنا خاضعا لمدى استعداد المسؤولين داخله للعطاء والتضحية والتطوع…

وفي اعتقادي أن العبرة، في الأخير، هي بالمنجز والحصيلة والتراكم، فما تحقق من مكتسبات غير مسبوقة في تاريخ الاتحاد، في هذه الولاية الحالية، على مستوى المكتب التنفيذي وفروع الاتحاد، تبقى جديرة بكل اعتبار، من غير أن نبخس عمل المكاتب والفروع السابقة، بل نستند إليها ونحاول تطويرها والإضافة إليها. ويكفي أن أذكر في هذا الصدد، على سبيل المثال فقط لا الحصر، بعضا من تلك المنجزات، من قبيل حصول الاتحاد على مقر جديد، من حجم المركب الثقافي والرياضي (دار الفكر)، باعتباره مكسبا تاريخيا غير مسبوق، يحسب لمكتبنا التنفيذي. ثم أليس في تنظيم الاتحاد “مناظرة وطنية حول الثقافة المغربية” بطنجة مكسبا ثقافيا كبيرا أيضا وغير مسبوق في تاريخ الاتحاد؟ وهي المناظرة الثالثة من نوعها في تاريخ الثقافة المغربية بعد مناظرتي “تارودانت” و”فاس” اللتين نظمتهما وزارة الثقافة، وقد شارك فيها أزيد من 240 كاتبا وباحثا وإعلاميا وفاعلا جمعويا، من المغرب ومن مغاربة العالم، عدا ممثلي بعض المؤسسات الدستورية والثقافية الوطنية، وهي المناظرة التي أسفرت عن توصيات ومقررات نوعية تهم الثقافة المغربية، عملنا على رفعها إلى كل الجهات التي يهمها أمر الثقافة ببلادنا، ألا يعتبر هذا إسهاما مضيئا من الاتحاد في الحركة الثقافية الوطنية ليس في المغرب وحسب بل مغاربيا أيضا من خلال عملنا على إحياء “اتحاد الكتاب المغاربيين” بطنجة وبمناسبة تنظيم فعاليات المناظرة نفسها؟

ثم ألا تمثل استضافتنا للمؤتمر العام لاتحاد كتاب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بالرباط، لأول مرة في تاريخ الاتحاد، حدثا استثنائيا يحسب للمكتب التنفيذي في ولايته الحالية؟ كما هو الحال بالنسبة لاستضافتنا، لأول مرة، لاجتماع المكتب الدائم للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب بطنجة، بمثابة انخراط من اتحادنا في صلب المحافل العربية والدولية، دفاعا عن حضورنا بشكل قوي وفعال ومنتج في هذه التظاهرات، وفي صلب حضورنا ذاك، قضية صحرائنا المغربية.

هذا، فضلا عن الندوات الكبرى التي نظمت بهاتين المناسبتين وغيرهما، نشرنا بعضها في كتب، من قبيل ندوة “المثقف وخطاب التصوف” بفاس، وندوة “تجديد الخطاب الديني” بطنجة… لن أتحدث، هنا، عن جميع الملتقيات والمهرجانات والندوات التي نظمها المكتب التنفيذي وفروع الاتحاد، فهي مسطرة ومنشورة في التقارير الأدبية التي ستعرض على أنظار المؤتمر المقبل.

عدا ذلك، أشير فقط إلى مستوى آخر من حضور الاتحاد لا يقل أهمية عن باقي أشكال حضوره في الفترة الأخيرة، سواء على مستوى حضوره الثقافي الدبلوماسي الموازي في عديد من أقطار العالم، أو عبر اتفاقياته ومواقفه وبياناته وتصوراته ومنشوراته غير المسبوقة كما وكيفا، وقد جمعنا حصيلتها في كتابين سيعرضان في طبعة جديدة على المؤتمر المقبل، بعد أن تمت الإضافة إليهما، تبعا للمستجدات الحاصلة بين المؤتمرين. ومن شأن من يطلع على التقارير الأدبية وعلى منشورات المؤتمر أن يدرك مدى ما قدمه الاتحاد، مكتبا تنفيذيا وفروعا، من إسهامات وإنجازات غير مسبوقة، نقولها ونفتخر بها، ونتحمل مسؤوليتنا في ذلك.

ثم أليس الاهتمام بالأوضاع الاعتبارية والصحية لكتابنا وأدبائنا من صميم عمل الاتحاد ومهامه؟ فالاهتمام بالأوضاع الصحية للكتاب هو اهتمام بالإبداع والثقافة المغربيين في حد ذاته، وصون لينابيعهما من تقلبات الزمن والظروف والأحوال، وهي مناسبة نجدد فيها الشكر والامتنان والعرفان لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، على ما يوليه جلالته من عناية مولوية كريمة، ومن اهتمام نبيل ومتواصل بالظروف الاجتماعية والأوضاع الصحية لكتابنا ومثقفينا.

أما مشاكل الاتحاد وأزماته، فهي ليست وليدة اليوم، بل رافقت الاتحاد في مساره التاريخي الطويل، ومنذ تأسيسه، وكلنا يتذكر أزمات الاتحاد السابقة، التي تمكن، في كل مرة، من حلها وتجاوزها، استنادا إلى حكمة أعضائه وبصيرتهم وغيرتهم على منظمتهم. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن المشاكل والأزمات لا تمس الاتحاد لوحده، بل هي أزمات عامة تمس كل الإطارات الوطنية، ثقافية كانت أو حزبية أو حكومية، وتبرز بحدة في مؤتمراتها، كما هو الحال في فترات اقتراح أعضاء الحكومة… غير أن الفرق بين أزمات الاتحاد بالأمس وأزماته اليوم، هو أن أزمات الأمس كانت ناجمة عن صراع أفكار وأسئلة وانتماء ومبادئ.

وأمام ما يشهده واقعنا الثقافي والسياسي والاجتماعي من تحولات ومتغيرات، فالاتحاد يدرك جيدا أنه أصبح مفروضا عليه أن يتفاعل معها بما تستحق من يقظة وأسئلة ومتابعة واهتمام، وهو ما حاول الاتحاد إدراكه ومواكبته واستثماره، خدمة لراهنه ولمستقبله. كما يفرض هذا المنعطف أيضا على الاتحاد أن يتطلع إلى عقلنة المجتمع وتحديثه وتنويره، وإلى المساهمة في “النقاش العمومي” البناء والمثمر، وترسيخ “أخلاقية الحوار” المبني على الاقناع، عبر صياغة تصور ثقافي تنافسي يسهم في تحصين المجتمع المغربي من أشكال الهيمنة والإقصاء، ومن كل المظاهر السلبية التي تعيق تقدمه وازدهاره. وكلها أمور كان المكتب التنفيذي الحالي واعيا بها، بل وشرع في وضع لبناتها، من خلال حضوره النوعي، وغير المسبوق، على سبيل المثال، داخل المؤسسة التشريعية، عبر ما عرضه عليها ودافع عنه من مشاريع قوانين همت بالأساس “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية” و”تنزيل وأجرأة اللغة الأمازيغية”، وغيرها مما يبرز حضور الاتحاد كقوة اقتراحية فاعلة.

وهنا أيضا لا بد من الإشارة إلى انخراط الاتحاد وتفاعله مع مؤسسات دستورية وعمومية وحزبية وترابية، عبر آرائه وتصوراته ومواقفه التي عبر عنها في أكثر من مناسبة، من قبيل تلك التي ساهم بها وقدمها إلى جهات مختلفة، بإيعاز منه أو بطلب منها: رئاسة الحكومة، البرلمان، وزارة الثقافة، وزارة التربية الوطنية، وزارة الشباب والرياضة، المجلس الوطني للتربية والتكوين والبحث العلمي، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي الجديد …، وهي تصورات حول قضايا وطنية مختلفة، ثقافية وتربوية وتنموية وقانونية وإصلاحية…

ثم قبل هذا وبعده، ألا يشكل كل هذا التراكم المشرف في حصيلة الاتحاد، مكتبا تنفيذيا وفروعا، جانبا إيجابيا يستحق أن يفتخر به في حاضرة أقاليمنا الصحراوية الجنوبية؟

ما المنتظر من المؤتمر المقبل؟

ينتظر من المؤتمر المقبل أن يشكل فرصة حقيقية لكاتبات المغرب وكتابه للتفكير جديا في المتغيرات والتحولات السريعة التي تعرفها الثقافة المغربية على مستوى أشكال إنتاج الفعل الثقافي ومضامينه.

كما نرجوه مناسبة لتكريس الخط الحداثي التنويري لاتحاد كتاب المغرب ضد كل أشكال الانغلاق والتطرف، وفرصة للاحتفاء بالهوية المغربية في مكوناتها المختلفة، ومناسبة أيضا لجميع المؤتمرات والمؤتمرين لممارسة تمرين ديمقراطي، مبني على احترام مبادئ الحوار والتعدد والاختلاف، واستثمارها كدعائم للبناء، في ظل تفاعل مسؤول وجاد، وفقا للمبادئ والقيم الأصيلة التي نشأ عليها الاتحاد. هي، إذن، أمور كثيرة تُنتظر من اتحاد كتاب المغرب في المؤتمر المقبل وبعده، وهو سؤال جوهري سبق أن اشتغلت عليه “اللجنة التحضيرية الكبرى” للمؤتمر العام التاسع عشر المنعقد بطنجة، التي ضمت في عضويتها حوالي خمسين عضوا، عملوا جميعا، على مدى خمسة اجتماعات عقدت بكل من الرباط وأزيلال، على وضع خارطة طريق جديدة لوضعية الاتحاد ولطبيعة عمله المستقبلي، وتحديدا على مستوى انكبابها على تعديل القانون الأساسي للاتحاد بما يتناسب ومشروع تحويل الاتحاد إلى “مؤسسة ثقافية” تتماشى مع برامج ثقافية تدرك ماهية الثقافة المغربية، وذلك إثر المكتسبات الجديدة التي حققها المكتب التنفيذي في ولايته الأخيرة، وعلى رأسها توفر الاتحاد، أخيرا، على مقر جديد وملائم، يليق بتاريخه وبطبيعة نضالاته، وحجم مواقفه، ومستوى حضوره المضيء والمؤثر داخل المغرب وخارجه.

فضلا عن ذلك، فإننا في مؤتمرنا المقبل، واعون بأننا جزء متفاعل مع تحولات السياق العام، بما فيها تحولات القيم، وتحولات الثقافة، والتحولات التي تشمل منظمات المجتمع المدني بشكل عام، ما يحتم على الاتحاد ضرورة أن يتفاعل مع هذه المتغيرات الوطنية والقومية والإقليمية والدولية.

لهذا، فقد واكبت اللجنة التحضيرية الأولى (قبل مؤتمر طنجة) والثانية (قبل مؤتمر العيون)، بكل تفان ومسؤولية، الإعداد الجيد لمؤتمرنا الوطني العام في طنجة والاستثنائي في العيون، ما يعكس الجهد الذي بذلته اللجنتان معا، الهادف إلى تحويل مؤتمر الاتحاد المقبل إلى محطة دَفْعٍ قوية ومتجددة لمنظمتنا.

من هنا، فإن انحياز الاتحاد لثقافة التغيير في بنياته وفي طريقة تفكيره كان محصلة إرادة جماعية معلنة، وكان هذا الانحياز مستقلا وصادرا عن إرادة واعية حرة، وترتبت عن هذا الأمر جملة من النتائج المحددة اليوم لكيفيات عمل الاتحاد ولكيفيات انخراطه السياسي والثقافي في معركة التحديث، كما سيتم تداول ذلك في مناقشات مشاريع أوراق المؤتمر الاستثنائي المقبل.

كيف ترى مستقبل “اتحاد الكُتّاب” بعد المؤتمر المقبل؟

يمكن أن نشير، في هذا السياق، إلى أن اتساع مجال الكتابة وعدد الكتَّاب والمبدعين في بلادنا ساهم ويساهم في تقوية الثقة في اتحاد كتاب المغرب، وهو ما نلمسه عبر تزايد طلبات الراغبين في الانضمام إليه، الأمر الذي يساهم في تجديد الثقة في منظمتنا ويمنحها المقومات والأسس الضامنة لاستمرارها فضاء للحرية والإبداع. كل هذه الأشكال من التفاعل الإيجابي، وغيرها، تُمَكِّن الاتحاد من مواصلة ترسيخ حضوره الوطني الفاعل والمؤثر، بما يلزم من تقدير واحترام واعتبار، رغم كل الإكراهات والمواقف الطارئة من حين لآخر، وهو واقع طبيعي ومطلوب وصحي تعودت عليه منظمتنا في محطاتها التاريخية منذ نشأتها إلى اليوم، لكنها كانت دائما تقويها وتنعش حيويتها وتجدد دماءها، ما يجعل اتحادنا اليوم، كما كان بالأمس، وبدون مبالغة، في طليعة الاتحادات والجمعيات والمنظمات الثقافية على الصعيدين المغاربي والعربي المشهود لها بحضورها الوازن والمؤثر داخليا وخارجيا.

في هذا الإطار أيضا، برزت الحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى هذه المنظمة العتيدة، من منطلق إيماننا جميعا بضرورة الاتحاد وجدواه، وضرورة استثمار مكاسب تجربته في الفعل الثقافي الجماعي، وكذا ضرورة تطويره في ضوء المخاضات والأسئلة الجديدة التي تتفاعل اليوم في أفقنا الثقافي. من هنا، فإننا في الاتحاد نربط حاجتنا إلى هذا الإطار الثقافي التاريخي بمبدأ أساسي، يتمثل في ضرورة تطوير أشكال حضوره الثقافي وأدواته في المجال الجمعوي المؤسسي، فأمام المنافسة المتزايدة في المجال الثقافي المغربي، ينبغي التفكير في كيفيات تفعيل أدوات الثقافة بالصورة التي تمنح اتحادنا حضوراً يناسب نوعية التحول الذي يعرفه الفضاء الثقافي ومجال المعرفة والفن في إطار مغرب جديد، مغرب يريده الجميع أرضاً للتوافقات والتعاقدات والمواثيق التاريخية والسياسات الحداثية الجديدة، حيث يشكل الرافد الثقافي الإسمنت اللاحِم والناظِم لصيرورة اتحادنا في التاريخ، ويساهم في بناء ثقافة جديدة منفتحة على ذاتها وعلى العالم من حولها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى