مدننا وأحزان أنشودة المطر | صحيفة مكة

وتأتي المعالجات الوقتية بمحاولات سد الخلل، وردم الفرج، وشفط المياه بطرق بدائية، والعودة لكبها في مناطق منحدرات تعيدها للمدن دمارا ومستنقعات حشرات، وليس كأنشودة المطر، وذلك الطفل بات يهذي قبل أن ينام، بأن أمه التي أفاق منذ عام، فلم يجدها، ثم حين لج في السؤال، قالوا له: بعد غد تعود.. لا بد أن تعود.
وزارة الشؤون البلدية والقروية مسؤول رئيس، وحسب تخصصاتها من خلال مركز تحقيق الأهداف والإدارة المركزية للمشروعات التطويرية، ووكالتها للشؤون الفنية.
وتتحمل المسؤولية أيضا جميع الأمانات في محافظات المملكة، ومعها البلديات المسؤولة عن البنية التحتية، والوكلاء المختصين بإدارة السيول والكوارث.
وبعد ذلك تمتد المسؤولية لإدارات الصيانة الوقائية لشبكات السيول قبل موسم الأمطار والقائمين على خطط طوارئ السيول وإدارة الحدث، والإدارة العامة للكوارث بوكالة الشؤون الفنية بالوزارة، ويضاف إليهم إدارة الدفاع المدني، والمركز الوطني للطقس.
ويبدو أن القضية أصبحت تكرار اجتماعات وإطلاق تطبيقات لتحذيرات للسكان، وتحركات روتينية تصاحب الكوارث الموسمية، وتنتهي باستنفاذ جميع خطوات العلاج غير الفاعل حتى نهاية موسم المطر، ثم العودة لسبات طويل، حتى عودة نشاز نشيد المطر، يعيث بالأرض تدميرا.
والواقع أن المطر ليس شرا مطلقا، بل إنه بركة، ومعظم دول العالم تبحث عنه، ودول الجفاف تتمناه، فهو مغذ لمصادر المياه العذبة من آبار سطحية وارتوازية، وهو مهم للزراعة، والتنظيف والصناعة، وتوليد الطاقة.
ولكنه أيضا متى ما غضب من تجاهله يسبب الأضرار العظيمة، ويهدم المباني ويجرف السيارات، ويقطع الطرق والكباري، وقد يؤدي لحدوث التماسات كهربائية واحتجاز السكان بين البرك، إضافة إلى تعطيل الحياة المدنية، والعملية والدراسية.
أنا لست مهندسا مدنيا، ولا ميدانيا، ولكني أدرك أن مياه الأمطار لا تكون مريعة هدامة، دون علة تجمعها في مناطق جبلية وأودية، قبل أن تهجم على غفلة المدن.
ولو تم تركيز الخطط على دراسة تلك التجمعات، ومعرفة حدودها ومستوياتها ومساراتها، لتم إنشاء سدود كافية لمنعها من التقدم باتجاه المدن.
أو تعميق مساراتها على مستويات أرضية أقل لتتحول لبحيرات تساعد على الخزن الاستراتيجي للمياه العذبة، أو تحويل السيول للصحراء، أو للشواطئ عبر مجار مكينة.
أنا لست مهندسا، ولكن ذلك ممكنا بمنطق الأواني المستطرقة والحيطة والمعقول، وتأكيد جذرية استمرارية العلاج، بعد زوال الأمطار، وليس فقط حينما تهاجم السيول المدن.
وزارة الشؤون البلدية والقروية، ولا يهونون أمانات المدن، والبلديات، والقائمين على المجاري والسيول وخلال عشرات السنين الماضية كانوا ينالون من الدولة ميزانيات كريمة عظيمة، ولو وجهت بشكل أساسي أمين مدروس يهدف لتلافي الأضرار جذريا، لما كنا نحزن كالطفل اليتيم كلما تثاءب المساء، والغيوم ما تزال تسح ما تسح.. من دموعها الثقال.
عذرا وتحملينا يا جهاتنا المسؤولة على تدخلنا في أعمالكم، ولكن دعيني أسألك: أتعلمين أي حزن يبعث المطر، وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟