أخبار العالم

الزواج بالموظفة أم ربة البيت .. نقاش مجتمعي أم بحث عن “البوز” والتفاهة



نقاش متجدد ومتشعب يطال مؤسسة الزواج؛ فقد طفت، مؤخرا، دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقاطعة الارتباط بالزوجة الموظفة وتفضيل ربة البيت لما تلعبه هذه الأخيرة من دور محوري في تربية الأبناء والاعتناء بأعباء المنزل.

وإذا كانت مدونة الأسرة والشريعة الإسلامية قد أفردتا حيزا مهما للزواج بوصفه ميثاق ترابط وتراض بين رجل ومرأة غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين، فإن هذه الرعاية تظل محط نقاش وتفتح الباب على مصراعيه عن نوعها وكيفيتها، خاصة أن المشرع سكت عنها دون التفصيل فيها.

نساء كثيرات لم تسمح لهن ظروفهن التعليمية ولا المحيط الذي نشأن فيه بالبحث عن عمل، ليجدن أنفسهن “ربات بيوت”، طواعية أو جبرا، يشتغلن دون انتظار الحصول على أجرة نهاية الشهر؛ أجرتهن نجاح الأسرة، تفوق الأبناء في الدراسة، وحصولهم على وظيفة تجعلهن يفتخرن بهم أمام الجارات والأقارب.

ويدافع الفريق الرافض للزواج بالموظفة عن موقفه بكون عمل الزوجة يحول دون تحقيق غاية الاستقرار في ظل تواري المرأة عن الأنظار ومغادرتها بيت الزوجية لساعات؛ وهو الشيء الذي ينعكس على السير العادي للعلاقة الزوجية ومصير الأبناء، وقد يؤدي بطريقة أو بأخرى إلى نشوب شقاق وخلاف عميق بين الزوجين.

كما يرى مؤيدو هذا الطرح أن مدونة الأسرة خرقت مبدأ المساواة بين الزوجين وتضاربت موادها إلى حد التناقض، خاصة في ظل حديثها عن الرعاية وجعلها مسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة قبل أن تنصص في المادة 49 من المدونة ذاتها على استقلال الذمة المالية للزوجين؛ وهو ما اعتبره هذا الفريق تمييزا.

ويعتبر رافضو عمل الزوجة أن هذه الوظيفة تمنح استقلالية مزيفة للمرأة وتجعلها أكثر ميلا إلى التطليق، خاصة أن المدونة قلصت من إرادة الرجل في سلك مسطرة الطلاق مقابل توسيع مجالها لصالح المرأة من خلال استحداث أنواع تطليق جديدة (التطليق للضرر والتطليق لعدم الإنفاق والتطليق للشقاق وللغيبة، وغير ذلك).

“صالير” واحد لا يكفي

وإذا كانت مؤسسة الزواج تقوم على التراضي والاستقرار فإن الاستقرار الاقتصادي والمالي يعد ركيزة أساسية لاستمرار العشرة والمساكنة والعلاقة الزوجية حتى لا يكون مصيرها الانحلال، لذا يعتبر مؤيدو عمل المرأة حرية شخصية قبل كل شيء وحقا دستوريا وإضافة نوعية تعزز لبنة ونواة المجتمع.

كما يرفع هذا الفريق شعار “صالير واحد لا يكفي” تأييدا لعمل الزوجة، خاصة في ظل تزايد متطلبات الحياة ومصاريفها وغلاء الأسعار وصعوبة توفير الحاجيات الضرورية للحياة.

تمييز وإنتاج للتفاهة

محمد بن عيسى، طالب باحث في علم الاجتماع، اعتبر حملة “لا تتزوج بالموظفة” من الناحية الحقوقية “تناهض المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب وتمييزا واضحا ضد المرأة مبني على الجنس، مشددا على أن المرأة يجب أن تتمتع بكل الحقوق والحريات الواردة بتلك المواثيق دون تمييز.

وأورد بن عيسى أن الحملة تدخل، من الناحية السوسيولوجية، ضمن ما يسمى بـ”البوز” أو إنتاج التفاهة التي يسعى من خلالها بعض من أطلق عليهم بالمشاهير إلى العودة إلى الأضواء عن طريق اللعب على أوتار بعض الإشكاليات والمفارقات التي تجاوزها الزمن كمسألة عمل المرأة بالمجتمع المغربي، خصوصا مع اكتساحها كل الميادين والإنجازات التي أصبحت تحققها بفض إمكانيات وكفاءاتها.

نقاش متجاوز وتشيييء للمرأة

رشيد لغويبي، فاعل مدني، سجل أن “هذا النقاش متجاوز زمنيا، ويعيدنا إلى خطاب مستهلك ينتقص من قيمة المرأة ويشيء الزوجة ويجعلها في موضع اختيار الرجل صاحب السلطة”.

وأضاف المتحدث ذاته أن “هذا الخطاب تقليدي ومستهلك؛ لأنه يمس ويمارس التأثير والتوجيه على اختيارات الفرد داخل المجتمع”، مشيرا إلى أن “عملية التوجيه وإعادة نسخ خطاب لا تتزوج الموظفة تفيد بأن الفرد في عصرنا الحالي لا يزال يرزح تحت وصاية وتأثير خطاب الآخر؛ وهو خطاب لا يليق بمكانة وقيمة الإنسان ككل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى