أخبار العالم

نزع الملكية يتسبب في مآسٍ.. والقانون وحده لن يحلّ الإشكالية



قال محمد أوجار، وزير العدل السابق، إن قضايا نزع الملكية من أجل إقامة مشاريع ذات منفعة عامة مسألة شائكة تنتُج عنها مآس، معتبرا أن القانون وحده لن يحلّ هذه الإشكالية، ولا بد من معالجتها وفق تصوُّر شمولي.

وأشار أوجار، في ندوة وطنية نظمتها مؤسسة فكر للتنمية والعلوم والثقافة، حول موضوع نزع الملكية للمنفعة العامة، أن الدولة بمختلف امتداداتها تعتقد وتؤمن بأن من واجبها ومسؤوليتها إحقاق حقوق المنزوع ملكيتهم، ثم استدرك: “الدولة تجتهد، لكن الحصيلة فيها مآس إنسانية”.

وشدد وزير العدل السابق على أن التحولات التي يشهدها المغرب، على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، “تقتضي منا الشجاعة على الاعتراف بأن المنظومة التشريعية المنظمة لنزع الملكية للمنفعة العامة بحاجة إلى مراجعة”، وأضاف: “حتى عند صدور الأحكام القضائية هناك مؤسسات لا تنفذها، وهناك مواطنون انتُزعت منهم ملكيتهم يخوضون اعتصامات، حيث تغيرت الحكومات والمجالس ولم يحصلوا على تعويضاتهم”.

الموقف ذاته عبّر عنه مراد الفضيل، قاض ممثل الأمانة العامة للحكومة، بقوله إن عددا من مقتضيات القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية تطرح إشكالات، إما لكونها ناقصة وغامضة وغير متفقة مع المقتضيات ذات الصلة أو لأن تطبيقها يكون بشكل سيئ.

وأضاف المتحدث أن النص القانوني المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة يجب ألا يكون ناقصا، وأن يكون مفهوما، وألا يكون متناقضا مع التشريعات الأخرى، لافتا إلى أن عدم تماسك مقتضياته سيمس بالأمن القانوني والتعاقدي والعقاري، وموردا أن مراجعته أصبحت “محلّ إجماع”.

من جهته قال عبد الحق دهبي، ممثل رئاسة النيابة العامة، إن التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي ساهمت في تكريس ممارسات سرعت من وتيرة المطالبة بتغيير الإطار القانوني لنزع الملكية للمنفعة العامة.

واستعرض المتحدث ذاته عددا من الإشكاليات التي يطرحها القانون المذكور، من قبيل تمسك بعض المؤسسات العمومية بأن حق الامتياز يخوّل لها إنجاز أشغال، مثل تمرير قنوات المياه على الأراضي غير المبنية، دون سلوك مسطرة نزع الملكية، وهو ما سبق لمحكمة النقض أن رفضته في قضية ضد المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، معتبرة أن القانون لا يُعفي المكتب من سلوك المسطرة المذكورة، وإلا كان في وضع المعتدي على العقار.

إشكال آخر تطرحه مقتضيات قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، يتعلق بالمنشآت التي لا يُشار إليها في مرسوم نزع الملكية، ذلك أن المنزوعة منه ملكية الأرض عندما ينازع في التعويض المقترح، وينتقل الخبير إلى المكان، يفاجأ بأن المنشآت المُنجزة ذات قيمة تجارية كبيرة ولديها أصول تجارية، معتبرا أن هناك خللا في معالجة هذا الأمر.

وقدم المسؤول بالنيابة العامة توصيات، حيث آمل أن يأخذ المشرّع المغربي في منظومة القانون المتعلق بنزع الملكية بعين الاعتبار أن القضاء الإداري المغربي له دور إنشائي في وضع القواعد القانونية في هذا المجال، من أجل تجويد ما يمكن تجويده من النصوص، تكريسا لقاعدة أن القاضي يوازي بين النصوص القانونية والوقائع القانونية.

وطالب المتحدث ذاته بالكف عن سلوك الإدارة المتمثل في الاعتداء المادي، معتبرا أنه “لا ينسجم ودولة الحق والقانون والمؤسسات”، ومردفا: “آن الأوان لطيّ صفحة الاعتداء المادي لأن هذه الواقعة في حقيقة الأمر من شأنها أن تُخل ببعض القواعد الجوهرية المنظمة في دستور المملكة لسنة 2011”.

واقترح المتحدث ذاته جعل مسطرة الاقتناء بالمراضاة لحصول الإدارة على ما تحتاجه من عقارات لبناء المرافق هي الأصل، والإبقاء على مسطرة نزع الملكية كإجراء استثنائي، يُلجأ إليها، من طرف المالكين، بعد فشل الاقتناء بالمراضاة؛ كما اقترح رصد اعتمادات مالية كافية لتعويض الملاك وإيداعها صندوق المحكمة الإدارية التي تبت في النزاع، حتى يسهل عليها تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في هذا المجال.

دهبي أيّد بدوره مبدأ التعويض العيني، مثل الأرض بالأرض، متسائلا: “ما المانع من إدخال مبدأ التعويض العيني عن الأملاك المنزوعة، في القانون، إضافة إلى التعويض النقدي؟”؛ كما دعا إلى “التنصيص في قانون نزع الملكية للمنفعة العامة على إعفاء الدخول الناتجة عن التعويض عن نزع الملكية من الخضوع للضريبة على الأرباح”.

علاقة بذلك، استعرض لحسن معزيزي، ممثل وزارة التجهيز والماء، عددا من التوصيات الصادرة عن البنك الدولي، ومنها أن يعكس التعويض الذي يحصل عليه الأشخاص الذي انتُزعت منهم الملكية الواقع الحقيقي، وأن يغطي كل التكاليف والضرائب والنفقات الطارئة، وأن تتم برمجة مساعدات للفئات الهشة، مع منح تعويضات عن فقدان العمل.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن قانون نزع الملكية للمنفعة العامة جاء بمقتضيات إيجابية في تاريخ وضعه، إلا أن الممارسة الإدارية والقضائية أظهرت العديد من الإشكالات العملية، من قبيل الإشكالات المرتبطة بالعقار، نظرا لتنوّع وتعقيد وضعياته، كتعدد الملاكين، والأراضي غير المحفظة، ومدى تطابق الخرائط العقارية مع هو ممسوك لدى المحافظات العقارية، وهو ما يؤثر على سيْر مسطرة نزع الملكية”.

وتشدد وزارة التجهيز والماء، كما جاء على لسان معزوزي، على ضرورة إعادة النظر في القانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة، من أجل إقرار إطار قانوني يستجيب للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي يعرفها المغرب، وتماشيا مع التوجيهات الملكية في هذا الصدد.

وأردف المتحدث ذاته بأن مراجعة القانون على المستوى التشريعي يجب أن تنصبّ على تجاوز كل الإكراهات التي يطرحها القانون الحالي، معتبرا أن “واضعي القانون الذي دخل حيز التنفيذ منذ أربعين عاما كان لديهم بُعد نظر، ولكنّ ثمّة ضرورة لإعادة النظر فيه في الوقت الراهن، لإزالة الغموض ومعالجة القصور الذي يلف بعض مقتضياته”.

وتقترح وزارة التجهيز والماء، كذلك، رقمنة جميع مساطر نزع الملكية للمنفعة العامة، وهو ورش قال معزوزي إن الوزارة تشتغل عليه، لافتا إلى أن جميع مراحل المسطرة ستكون مرقمنة، من أجل إضفاء النجاعة والفعالية على معالجة الملفات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى