أخبار العالم

العدالة في سنة 2022 .. تكريس استقلال القضاء وقوانين تنتظر مسطرة التشريع



شكلت سنة 2022 مرحلة أخرى ضمن مسلسل تكريس استقلالية السلطة القضائية، الذي انطلق فعليا منذ أكتوبر 2017 حينما دخل القانون المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة، حيز التنفيذ.

في هذا الصدد، تميزت سنة 2022 بتواصل التنسيق بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل تكريس استقلالية السلطة القضائية.

وإذا كان التنسيق بين وزارة العدل والسلطة القضائية استمر على عدة مستويات من أجل تكريس هذه الاستقلالية، فإن استكمال ورش إصلاح منظومة العدالة ببلادنا مازال يواجه العديد من التحديات، وهو ما يتطلب وضع مخطط واضح المعالم من طرف الوزارة، من شأنه تنزيل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة.

تكريس استقلالية السلطة القضائية

في هذا الصدد، تميزت سنة 2022 بتكريس استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، كما تميزت بتعزيز التعاون والتنسيق بين السلطة القضائية ووزارة العدل.

وفي هذا الإطار، تم تفعيل الهيئة المشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل، التي عقدت عدة اجتماعات هذه السنة، كما تم تفعيل لجنة التتبع على مستوى الكتاب العامين لوزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة.

وبحسب المعطيات التي سبق أن قدمها وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، فإن التنسيق بين وزارة العدل والسلطة القضائية تطرق إلى وضعية البنايات الجديدة للمحاكم، ودليل إجراءات المساطر، وتفعيل بعض المراكز القضائية المحدثة، والتحديث ورقمنة عمل المحاكم.

من جهة أخرى، تميزت سنة 2022 بوضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية مخططا إستراتيجيا تضمن رؤية المجلس وآفاق عمله إلى غاية سنة 2022.

وفي هذا الإطار، سجل عبد السلام زوير، الكاتب العام لنادي قضاة المغرب، في تصريح لهسبريس، بإيجابية اعتماد المجلس الأعلى للسلطة القضائية مخططا إستراتيجيا يوضح رؤية المجلس وآفاق عمله، ويمثل المحاور الأساسية لتطوير العمل المؤسساتي للمؤسسة، خاصة بعد إجراء انتخابات القضاة لاختيار ممثليهم المنتخبين بالمؤسسة واستقبالهم من طرف الملك.

كما أشاد الكاتب العام لنادي قضاة المغرب بمواصلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية مجهوداته من أجل تعزيز استقلال السلطة القضائية.

قوانين تنتظر

خلال تقديمه مشروع الميزانية الفرعية لوزارة العدل بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، تحدث وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عما وصفها بـ”الثورة التشريعية الهادئة التي تقودها وزارة العدل”، لكنه في الكلمة نفسها قدم وعودا أكثر مما قدم إنجازات على أرض الواقع.

وتضمنت لائحة النصوص التشريعية، التي صدرت سنة 2022، وتطرق إليها وزير العدل، القانون المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، والقانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، وهما مشروعان ورثهما عبد اللطيف وهبي عن الحكومة السابقة.

مقابل ذلك، مازالت العديد من القوانين تنتظر إحالتها على البرلمان، في مقدمتها مشروع قانون المسطرة الجنائية، ومشروع قانون يتعلق بالمعهد العالي للقضاء، ومشروع يتعلق بالمهن القانونية والقضائية وكتابة الضبط، ومشروع قانون مهنة العدول.

كما لم تحل وزارة العدل إلى حد الآن مشروع القانون الجنائي على البرلمان، بعدما تم سحبه من طرف عبد اللطيف وهبي في نونبر سنة 2021، عقب أسابيع من تقلد مهامه.

مقابل ذلك، أحالت وزارة العدل مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة على مجلس النواب، حيث يرتقب أن يصادق عليهما في غضون الأيام القادمة.

من جهته، اعتبر محمد حنين، محام ونائب رئيس مجلس المستشارين، ورئيس أسبق للجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، في تصريح لهسبريس، أن القوانين التي تم إصدارها هذه السنة تكتسي أهمية بالغة في مسار إصلاح منظومة العدالة، خاصة القانون المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، الذي سيساهم في تخفيف الضغط على المحاكم وتشجيع الاستثمار.

ولفت حنين إلى أن ورش إصلاح منظومة العدالة يقتضي إخراج عدد من النصوص القانونية، في مقدمتها قانون المسطرة الجنائية وقانون المهن القضائية وكتابة الضبط، والقانون الجنائي.

ورش الرقمنة

عملت وزارة العدل على تسطير رؤية إستراتيجية للتحول الرقمي لمنظومة العدالة، تروم توجيه الخدمات عن بعد نحو المرتفق، وضمان الشفافية والانفتاح على محيط العدالة.

ويرى محمد حنين، الرئيس الأسبق للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، أن تحقيق التحول الرقمي في قطاع العدالة أصبح ضرورة ملحة، مشيرا إلى أن استكمال هذا الورش من شأنه المساهمة في تخليق العدالة والنجاعة.

وأضاف المتحدث ذاته: “رقمنة الإجراءات القضائية ستحد من اللقاءات المباشرة بين المرتفقين والموظفين، وربما حتى مع بعض السماسرة في جنبات المحاكم، وهو ما سيساهم في تخليق القطاع، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية”.

في السياق ذاته، عملت وزارة العدل على إطلاق عدد من المنصات الرقمية، من بينها خدمة الأداء الإلكتروني لغرامات المخالفات والجنح المرصودة عبر الرادار الثابت، مع إحداث منصة للتشاور الوطني حول وضعية وآفاق ولوج المرأة إلى العدالة، وتهدف إلى تيسير الولوج إلى المعلومة القانونية والقضائية للمرأة والطفل والفئات الهشة. كما تم إطلاق خدمة السجل الإلكتروني في نسختها الجديدة، التي تنبني على الرقمنة الشاملة لطلبات السجل العدلي بالمحاكم من خلال البريد المضمون أو من خلال البريد الإلكتروني الشخصي، عبر تفعيل خاصية التحقق من الهوية عبر البطاقة الإلكترونية الوطنية للتعريف من الجيل الثاني.

من جهة أخرى، عرفت سنة 2022 مواصلة المحاكمة عن بعد لمتهمين في عدد من المحاكم، بعد اعتمادها بقرار مشترك لوزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية بسبب تداعيات جائحة كورونا.

وأُثار هذا الإجراء جدلا واسعا في صفوف المحامين والحقوقيين، إذ اعتبره بعضهم يمس بضمانات المحاكمة العادلة.

محمد حنين، نائب رئيس مجلس المستشارين، والرئيس الأسبق للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، اعتبر أن المحاكمة عن بعد تمس بضمانات المحاكمة العادلة، مضيفا أن هذا الإجراء تم اللجوء إليه في ظروف استثنائية ولا يجب التوسع فيه.

ونبه المتحدث ذاته إلى أن القضايا الجنائية والجنحية تقتضي بالضرورة حضور المتهم أمام القاضي، حتى يكون قناعته الوجدانية، مشيرا إلى أن القاضي قد يكون قناعته انطلاقا من تصرفات وطريقة دفاع المتهم عن نفسه أمامه.

انتظارات القضاة

أثار عرض مشروعي القانونين التنظيمين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب انتقادات عدد من القضاة.

في هذا الإطار، سجل عبد السلام زويري، الكاتب العام لنادي قضاة المغرب، تغييب مبادئ المقاربة التشاركية في إعداد مشروعي القانونين التنظيميين المذكورين.

وقال زويري: “لم يتم عرض المشروعين على القضاة أو على جمعياتهم المهنية، ومنها نادي قضاة المغرب، لإبداء ملاحظاتهم بشأنهما، باعتبارهم المعنيين بهما مباشرة”، مشيرا إلى أن نادي قضاة المغرب تقدم بمذكرة لتوضيح ما سجله من ملاحظات واقتراحات حول المشروعين إلى رئيس لجنة العدل والتشريع ورؤساء الفرق النيابية.

من جهة أخرى، دعا المتحدث إلى إصلاح بنايات المحاكم وتوفير ظروف عمل ملائمة لتقديم خدمات القضاء للمتقاضين في أحسن حال، كما طالب بتوفير العدد الكافي من الموارد البشرية المؤهلة من قضاة وموظفين ومختلف مساعدي القضاء والعناية بأوضاعهم، وكذا الإسراع في إخراج القانون المتعلق بالمعهد العالي للقضاء وتنفيذ المرسوم المتعلق بالتعويضات، الذي تأخر تنفيذه كثيرا، بحسبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى