الأحداث الاجتماعية في 2022.. من لهيب الأسعار إلى التغطية الصحية الإجبارية

شهدت سنة 2022 عددا من الأحداث الاجتماعية تجاوز صدى بعضها حدود المغرب، كحادث سقوط الطفل ريان في ثقب مائي نواحي شفشاون، استُهلت به السنة التي نودعها بعد أيام.
الطفل ريان يثير تعاطف العالم
في مطلع شهر فبراير الماضي، تحوّلت قرية “إغران” نواحي مدينة شفشفاون إلى قبْلة لأنظار ملايين الناس عبر العالم، لمتابعة تفاصيل محاولة إنقاذ الطفل ريان الذي سقط في ثقب مائي جاف بعمق أكثر من ثلاثين مترا.
منذ اللحظة الذي ذاع فيها خبر سقوط ريان في الثقب المائي جوار بيت أسرته وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تحركت السلطات واستنفرت أجهزتها لإنقاذ الطفل، وسرعان ما تعدّت أصداء الحادثة حدود المغرب، بعد أن طال مكوث ريان تحت الأرض.
كانت قرية “إغران” محطَّ أنظار العالم على مدى خمسة أيام بلياليها ونهرها، حيثُ حظيت عملية إنقاذ ريان بتغطية إعلامية مباشرة من قبل عدد كبير من القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية الوطنية والدولية، وسط مشاعر امتزج فيها الأمل بالنجاح في الوصول إلى الطفل ذي الخمس سنوات بالخوف من فشل جهود فرق الإنقاذ.
استعانت السلطات في عملية الإنقاذ بآليات الحفر والتنقيب الحديثة، لكن تحرّكها كان يتم بحذر شديد، خوفا من إلحاق أي ضرر بالطفل ريان الذي كانت الكاميرات المُرسلة إلى قاع الجبّ تنقل إلى العالم صورا حية له.
وعند اقتراب الوصول إليه، تمت الاستعانة بالحفر التقليدي، في عملية قادها علي الصحرواي، الرجل الذي لفت الأنظار بـ”مغامرته” لإنقاذ الطفل ريان، حيث لم يدّخر جهدا وواصل النهار بالليل في سبيل الوصول إلى الروح الصغيرة الجاثمة تحت الأرض، مقدما للعالم صورة جلية عن التضامن المغربي.
بعد خمسة أيام كاملة من العمل المتواصل، تم الوصول إلى الطفل ريان مساء يوم 6 فبراير، وسط تصفيقات وتكبيرات حشود المواطنين الذين تابعوا عملية الإنقاذ في عين المكان، وتمّ نقله عبر سيارة إسعاف شيّعها الحاضرون على أمل أن يسمعوا أن الطفل لا يزال على قيد الحياة.
بعد لحظات فقط من مغادرة سيارة الإسعاف، نزل بلاغ رسمي صادر عن الديوان الملكي كشلال ثلج على كل الذين تابعوا الحادثة من يومها الأول، حيث تم إعلان وفاة الطفل ريان، ولاحقا نُقل والداه إلى الرباط حيثُ قُدمت لهم تعزية رسمية، ليُسدل بذلك الستار على حادثة مأساوية تابعها العالم أولا بأول.
اشتعال الأسعار
تميزت سنة 2022 بارتفاع غير مسبوق لأسعار أغلب المواد، سواء الاستهلاكية أو غير الاستهلاكية.
ولأول مرة، وصل سعر المحروقات إلى مستويات قياسية، حيث اقترب سعر الكازوال والبنزين من حاجز 17 درهما للتر، وتضاعف سعر زيت المائدة، كما طالت الزيادة أغلب المواد.
تعاطت الحكومة في بداية اندلاع موجة الزيادات، نتيجة الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، بمحاولة التقليل من شأنها، والتأكيد على أن المنتجات الغذائية المصنعة محليا لم تطلْها أي زيادة.
لاحقا، اضطرت الحكومة، بعد تصاعد شكاوى المواطنين من غلاء الأسعار، إلى اتخاذ عدد من الإجراءات، حيث خصصت دعما ماليا مباشرا لمهنيي النقل العمومي حفاظا على القدرة الشرائية للمواطنين، وتلافيا لأي زيادة في أسعار النقل.
وخصصت الحكومة 2000 درهم كدعم شهر لسيارات الأجرة من الصنف الأول، و1600 درهم للصنف الثاني، ومنحت 1800 درهم لأصحاب عربات النقل المزدوج بالمجال القروي، و6200 درهم لحافلات النقل الحضري، و7000 درهم لحافلات نقل المسافرين بين المدن.
واضطرت الحكومة إلى تخصيص اعتمادات مالية إضافية بأكثر من 16 مليار درهم لصندوق المقاصة من أجل دعم أسعار غاز البوتان والسكر ودقيق القمح اللين، وهي المواد التي لا تزال الحكومة تدعمها بشكل مستمر من أجل الحفاظ على استقرار أسعارها في السوق الوطنية.
من “راميد” إلى التغطية الصحية الإجبارية
بعد الانتقادات الكثيرة التي وُجهت إليه، والإقرار من طرف جميع الفاعلين الرسميين وغير الرسميين بمحدودية نتائجه، شهدت سنة 2022 إقبار نظام المساعدة الطبية “راميد” بشكل مباشر.
وأعلنت الحكومة عن إقبار “راميد” بشكل رسمي، حيث تمّ إلحاق زهاء 11 مليون مواطنة ومواطن من الطبقة الاجتماعية الهشة التي كانت تستفيد من نظام المساعدة الطبية بنظام التغطية الصحية الإجبارية، وذلك في إطار تفعيل ورش الحماية الاجتماعية.
الحكومة حرصت على أن “تزفّ” للمواطنين خبر إنهاء العمل بنظام المساعدة الطبية، وذلك بالإفصاح عن أوّل حالة علاجٍ لمواطن كان يستفيد من نظام “راميد” مباشرة بعد تحويله إلى نظام التغطية الصحية الإجبارية، حيث أجريت له عملية جراحية على القلب كلفت 13 مليون سنتيم، تحمّلها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
مدونة الأسرة على مشرحة التعديل
رسميا، أُعطي الضوء الأخضر للسلطة التنفيذية من أجل الانكباب على تعديل مدونة الأسرة، التي تم التوافق عليها سنة 2003 ودخلت حيز التنفيذ سنة 2004، لكن الممارسة أظهرت أنها بحاجة إلى تعديل لتساير مقتضياتها التغييرات التي يشهدها المجتمع المغربي.
“وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛ لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق تقف أمام استكمال هذه المسيرة وتحول دون تحقيق أهدافها”؛ هذا الاعتراف بقصور المدونة جاء على لسان الملك في خطاب العرش يوم 30 يوليوز الماضي.
ومن بين أوجُه القصور التي تشوب مدونة الأسرة، يضيف الخطاب الملكي، “عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء، والواقع أن مدونة الأسرة ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة، وإنما هي مدونة للأسرة كلها”، مشددا على ضرورة التزام الجميع بالتطبيق الصحيح والكامل لمقتضياتها القانونية.
دعوة الملك إلى مراجعة مدونة الأسرة أعطى زخما جديدا لمرافعات الحركة النسائية المغربية التي ظلت تطالب بتعديل عدد من مقتضيات المدونة منذ سنوات، لا سيما المتعلقة بزواج القاصر، والمقتضيات التي ترى أن فيها “تمييزا” ضد المرأة.
ويُبدي وزير العدل استعدادا كبيرا للتفاعل مع مطالب الحركة النسائية بشأن تعديل مدونة الأسرة، حيث ذهب إلى التعبير عن تأييده لتجريم زواج القاصر، وليس إلغائه فحسب، غير أن تعديل المدوّنة لن يكون وفق ما تريده الحكومة وحدها، بل بما تم التوافق عليه بين مختلف المؤسسات، بما في ذلك المؤسسة الدينية التي يتم إشراكها في كل ما له علاقة بالأسرة، كما هو الحال بالنسبة لتقنين الإجهاض.