المغرب المتعدد والعالمي..

لا أحد، من مغارب الأرض ومشارقها، ينكر أن المنتخب الوطني لكرة القدم حقق إنجازًا رياضيا غير مسبوق في التاريخ، بعد ضمان التأهل إلى مربع الثمانية الكبار في لعبة الكرة المستديرة، التي تسلب قلوب الملايين من الناس عبر العالم.
ولا أحد يجادل في أن هذا المنتخب الوطني استطاع أن يوحد ما كان مجزأ إلى عهد قريب، وجمع بين فرائد العقد المتفرق، وألّف بين الكثير من الشعوب العربية والإفريقية والعالمية، التي فرقت بينها مشاكل السياسة والخلافات المصطنعة حول الحدود السياسية والثقافية.
فلأول مرة في تاريخ منافسات كأس العالم ينبض قلب المواطن العربي والإفريقي والعبري بصوت واحد، ويخفق امتنانا وشغفا بفريق رياضي واحد هو المنتخب المغربي. فهل هذه “الوحدة الكروية” ناشئة عما يقدمه الفريق المغربي من إنجازات؟ أم إنها نتاج لهذا المغرب متعدد الثقافات، والمتشبع بالكثير من الحضارات، والمتسامح مع كل الديانات التوحيدية السماوية؟.
بطبيعة الحال، ما حققه المنتخب المغربي، إلى حد الآن، في مونديال قطر هو إنجاز تاريخي غير مسبوق، لكن الصدى العالمي لهذه الإنجازات والانتصارات، والتقائية الحب والتشجيع من مختلف أمصار العالم، لا يمكن تفسيرهما إلا بالطابع المتعدد والعالمي للمملكة المغربية.
فلأول مرة في تاريخ المنتخبات الكروية العالمية تتبدد السياسة، وتتراجع الطائفية، وتختفي المحاصصة، وتتلاشى الحسابات الشخصية، ويحلّ محلها صوت جماهيري واحد يهتف بتشجيع المنتخب المغربي.
واللافت للانتباه أن هذا الصوت جاء من مختلف دول إفريقيا، ومن شعوب المغرب العربي، ومن الشرق الأوسط والبلدان الإسلامية، كما رفعه المواطنون الأجانب والمغاربة في مختلف دول العالم.
ولم يقتصر هذا الحب الجماعي للمنتخب المغربي على مشجعي كرة القدم، بل صدح به عاليا ملوك وشيوخ ورؤساء دول وحكومات! بل إن هذا الإجماع تجسّد أحيانًا في احتفالات شعبية داخل قطاع غزة بفلسطين، وتجسّم أيضا في شغف يهودي بالمنتخب المغربي في تل أبيب!.
ولا يستغرب القارئ إذا طالع “تدوينات” تبارك للمغرب فوز منتخبه الوطني في الحسابات “الفايسبوكية” لحركة حماس، واطلع على المباركة نفسها بصيغة أخرى في صفحات إسرائيل الناطقة بالعربية. فوحده المغرب المتعدد والعالمي من يقدر على توليف القلوب وجمعها على حب بلد واحد.
كما لا يندهش المرء عندنا يقرأ عبارات التبريك والتهاني في “تغريدات” مرجعيات الشيعة في العراق، وفي “تدوينات” الطائفة الدرزية في لبنان، ويرى تزيين معالم عدن اليمنية بالعلم المغربي! لا بلد قادر على جمع هذا الشتات في الحب سوى هذا المغرب المتعدد والعالمي.
لقد شكّل مونديال قطر، بالفعل، محطة تاريخية بصم فيها المنتخب المغربي لكرة القدم على إنجازات غير مسبوقة، لكنه كشف، في المقابل، للعالم عن ملامح هذا المغرب بصيغة الجمع والتعدد، وبامتداداته العالمية التي تعصى على الاحتواء في رقعة حدودية واحدة.
فالمغرب المتعدد هو بلد مغاربي، جذوره ضاربة في إفريقيا، تتلاقح فيه الثقافات والحضارات والإثنيات، وتتسامح فيه الديانات السماوية، ويتعايش فيه المسلمون والمكون العبري اليهودي. ولعل هذه التوليفة الجماعية الفريدة هي التي جعلت قلوب الشعوب العربية والإفريقية والإسلامية، وبالعديد من دول العالم، تخفق مع كل نشيد وطني مغربي يتم ترتيله في ملاعب قطر الرياضية.