أخبار العالم

العمال المياومون بأولاد النمة يتجرعون المرارة.. والحقول لا تضمن لقمة العيش



على رصيف شارع محمد الخامس بمركز سبت أولاد النمة بإقليم الفقيه بن صالح تجلس “مّي فاظمة” القرفصاء وبجانبها مجموعة من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 34 و60 عاما في انتظار وصول ما تبقى من المشغلين الزراعيين الذين قلّ عددهم خلال هذا الموسم الفلاحي المتسم بالجفاف.

مي فاظمة (اسم مستعار لسيدة خمسينية) واحدة من مئات العاملات الزراعيات، اللواتي يغادرن بيوتهن فجرا من أجل الظفر بيوم عمل مؤقت بالحقول الزراعية الكائنة بمنطقة بني موسى في زمن بات فيه الحصول على هذه الفرصة صعبا بالنظر إلى تراجع عدد المشغلين.

“الموقف ملجأ الفقراء”

في حديثها لجريدة هسبريس الإلكترونية، قالت “مي فاظمة” (52 عاما): “قضيت أزيد من 15 عاما في العمل بالحقول الزراعية، الحياة مرة، ومع ذلك ما زلت أجد نفسي مضطرة إلى التوجه كل صباح إلى الموقف لتأمين قوتي اليومي”.

وأضافت: “بالرغم من أنني تجاوزت الخمسين سنة، يبقى الموقف هو ملجأي الوحيد في غياب بدائل متوفرة بالمدينة”، كما أنه الملاذ الأوحد أيضا لمئات النساء المطلقات والأرامل اللواتي يكابدن الأسى في صمت، وبعيدا عن برامج المسؤولين.

و”مي فاطمة”، التي دأبت على أن تغادر بيتها يوميا على الساعة الرابعة صباحا، ليس لها أي مجال محدد للعمل؛ فهي تشتغل في جني الزيتون والحوامض والشمندر السكري وفي باقي الزراعات الموسمية التي ينتجها الفلاحون بالمنطقة، ولها سمعة طيبة لدى الجميع، بسبب التزامها بالموعد وعلاقتها فريدة مع باقي العاملات وأرباب العمل، وفق ما استقته هسبريس من تصريحات زميلاتها.

“العمل في الحقول الزراعية كان له طعمه، وكان يُوفر لنا كل ما نحتاج من أكل وشرب فضلا عن حاجيات الدراسة والتطبيب؛ إلا أنه اليوم، وبسبب ارتفاع الأسعار مقارنة مع قلة فرص العمل، لم يعد مصدرا كافيا للعيش وللحاجيات الإضافية خاصة العلاج، ما يتطلب تدخلا من الحكومة”، سردت “مي فاظمة” لهسبريس.

وتساءلت العاملة الزراعية: “كيف يعقل أن تقضي الأمهات حياتهن في العمل من الصباح حتى العصر، في ظروف قاسية، وحين تصاب إحداهن بالمرض تجد نفسها طريحة الفراش بدون تعويضات ولا تغطية صحية، علما أن ما تقوم به من عمل لا يستهان به.

العمل في الحقول

بدوره، قال أحمد، وهو أب لطفلين: “عملت في الموقف منذ أواخر التسعينيات، كانت فرص الشغل متوفرة جدا في مجال البناء بالمدينة، عكس اليوم الذي أصيب القطاع بالشلل جراء الركود الاقتصادي الذي تعرفه المنطقة، بسبب توالي سنوات الجفاف.

وأضاف أحمد، في حديثه مع هسبريس: “اليوم، أصبحنا نبحث عن شغل بكل المجالات المتاحة بالمنطقة لنوفر الحد الأدنى من العيش، ومع ذلك نجد صعوبة في تحقيق ما يصبو إليه أطفالنا من احتياجات ضرورية. في الواقع، بدأنا نتحسس بالأزمة منذ زمن كورونا؛ ولولا دعم الدولة كانت الوضع سيزداد سوءا”.

وأشار العامل ذاته، الذي ينحدر من قرية بجوار سوق السبت، إلى أن من ضمن السلاسل الفلاحية التي كانت توفر فرص الشغل بالإقليم سلسلة الحوامض والشمندر السكري؛ إلا أن اعتماد المكننة وانكماش المساحات المزروعة جراء تراجع الفرشة المائية قلص من الإقبال على يد العاملة بالسلسلتين.

تردي وضع العمال المياومين

وفي تصريح لهسبريس، أوضح محمد لغريب، وهو إعلامي وباحث مهتم بالشأن المحلي، أن “الموقف، باعتباره المكان الذي يجتمع فيه العمال باكرا لعرض قوة عملهم للبيع، شكل لسنوات مصدر قوت يومي لمئات الأسر؛ إلا أن التغيرات المناخية التي يعرفها المغرب على غرار باقي الدول قلّصت من دوره، ما تسبب في بروز إشكالات جديدة بالمدينة لم تنل حظها من الاهتمام بعدُ”.

وأضاف المتحدث ذاته: “بات الموقف من ضمن الفضاءات التي تردي حقوق العمال الزراعيين، وتنسج قصصا خيالية عما تكابده هذه الفئة من قهر يومي في غياب قانون يضمن كرامة العامل المياوم. كما أنه المكان الذي غالبا ما يذعن فيه العمال لشروط المشغّلين، لأنهم لا يملكون خيارات أخرى لتوفير قوتهم اليومي”.

الأحزمة العشوائية

في زمن الربيع العربي، استقطب مركز سوق السبت أولاد النمة مئات الأسر من المناطق المجاورة التي كانت تبحث عن تحسين ظروف عيشها؛ ما تسبب في طفرة نوعية في مجال البناء وأسهم في تحولات سوسيو اقتصادية مهمة، لم يتم استغلالها بالشكل المطلوب، لكونها جاءت مصحوبة باختلالات عميقة شكلت “الأحزمة العشوائية” عنوانا عريضا لها.

في ظل هذه الظروف الجديدة، باتت هذه الأحزمة غير المهيكلة بالمركز تشكل جيشا احتياطا من اليد العاملة، الغالبية العظمى منها أضحى يُصنف في تعداد العاطلين عن العمل؛ بالنظر إلى الاختلالات الحاصلة على مستوى العرض والطلب، ما فرض خيار الهجرة السرية بقوة وحوّل المدينة إلى قرية تعج بفوضى الباعة الجائلين.

مصطفى الماموني، وهو واحد من المشغلين للعمال الزراعيين بالمنطقة، قال: “مع تفشي جائحة كورونا وتراجع الفرشة المائية جراء توالي سنوات الجفاف تغير الوضع بالمنطقة كثيرا؛ فالفلاح اضطر إلى تقليص المساحات المزروعة تماشيا مع الإجراءات المتخذة لتدبير مياه السقي، ومن ثمّة لم يعد في حاجة ماسة إلى الكثير من العمال، ما انعكس سلبا على مستوى عيش هذه الفئة العريضة من السكان وخلق إشكالات بالمدينة.

مشغلون مهتمّون بكرامة العمال

في حديثه عن ظروف العمل، ذكر الماموني أن كرامة العمال، وخاصة النساء، فوق كل اعتبار، لافتا إلى أن نقلهم على متن سيارات فلاحية أو عرابات مجرورة أو جرارات ليس فيه أدنى احتقار على اعتبار أن هذه هي الوسائل المتاحة حاليا أمام الفلاحين.

وشدد: “لا ينبغي أن نعتبر موضوع نقل العاملات والعمال الزراعيّين وجها مأساويا من حياة العمال أو ضربا لحقوقهم أو كرامتهم، لأن رب العمل نفسه يستعمل هذه الوسائل أكثر من العامل نفسه”، داعيا إلى احترام الطاقة الاستيعابية للعربات ومراقبة حالتها الميكانيكية في كل لحظة.

وأكد المتحدث أن زمن الاستغلال قد ولّى، وأن الفلاح (رب العمل) هو الذي يشكو اليوم من شروط العمال الزراعيين الذين يُصرون على توفير التغذية ووقت متقطع للراحة ولا يُفرطون من وقتهم، كما أنهم هم من يحددون الأجرة لكل عمل على حدة وليس أرباب الحقول.

وزاد: “اليوم، نعلمُ أن بعض الهيئات تطالب الدولة بالتدخل من أجل الضغط على المشغلين للتصريح بالعمال في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وجعلهم في مرتبة باقي العمال الذين يستفيدون من قوانين الشغل وقوانين التغطية الصحية والتأمين، على اعتبار أنهم يشكلون رقما مهما في عملية الإنتاج؛ لكن هذا يحدث دون مراعاة لوضعية الفلاح الذي أضحى في الدرك الأسفل من المجتمع.

المنشود

أكد مصطفى الماموني أن أي التفاتة من الدولة يجب أن تمس العمال والفلاحين، بحكم العلاقة التي تربط الطرفين، وعلى اعتبار أن الفلاح بات يشكل الحلقة الأضعف خلال الظرفية الراهنة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والأعلاف والأدوية والأسمدة وتكلفة اليد العاملة.

ولفت المتحدث ذاته إلى أنه إذا كان العمال يُعولون على الحركات النقابية والجمعيات الحقوقية للتعريف بمطالبهم خاصة ما يتعلق منها بالتصريح في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل وغيرها من الحقوق التي تنص عليها التشريعات الوطنية والدولية، فإن الفلاح حاليا لا يعول إلا على السماء من أجل توفير الأمن الغذائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى